كان حزب الله قد عطل محاولات الجيش اللبناني لتحرير جنوده المختطفين من قبل داعش وبعد ثلاث سنوات أعلن الحرب على التنظيم الإرهابي في تنسيق مع القوات السورية. كان حدثا فاجعا بالنسبة للبنانيين أن يعلن الحزب المذكور أن تلك الحرب لم تكن تهدف إلى القضاء على مقاتلي داعش بل إلى التعرف على مصير أولئك الجنود المختطفين فقط. ولأن التنظيم قد أقر بمقتلهم فقد صار الهدف استلام جثثهم. وهكذا وضع حزب الله نهاية لحربه على داعش في الجرود اللبنانية ــ السورية بعد أن عقد صفقة تتيح لقتلة الجنود اللبنانيين الانتقال إلى مكان آخر من سوريا، يكون قريبا من العراق. في تلك الصفقة كانت الأطراف الرسمية الثلاثة المعنية بالأمر غائبة. تلك الأطراف هي لبنان وسوريا والعراق. غير أن هناك كما يخيل إلي طرفين كانا حاضرين بقوة هما قطر وإيران. ما من شيء يغري في النظرية التي تجعل من حزب الله وسيطا بين إيران ودولة قطر، ذلك لأنه لا خلاف بين الطرفين وإن ظهرت الأولى مؤيدة للحكومة السورية فيما بذلت الثانية الغالي والنفيس من أجل دعم معارضي تلك الحكومة الذين يسعون إلى اسقاطها. يمكن النظر إلى المسألة من جهة كون حزب الله يحظى بدعم الطرفين الذين لا تفرق بينهما طرق التعامل مع الملف السوري. هي مسألة غاية في التعقيد ذلك لأنها تختصر الطريق إلى معرفة الدول الراعية للارهاب، بغض النظر عن عقيدة الجماعات التي تضع نفسها في خدمته. فإذا كان بديهيا أن يحظى حزب الله برعاية تمويل إيران باعتباره أحد أذرعها فإن احتضان قطر لذلك الحزب يبدو أمرا غير مفهوم. وإذا كانت قطر قد رعت داعش من منطلق مساهمة ذلك التنظيم الإرهابي في اسقاط نظام الحكم في دمشق فإن حرص طهران على الحفاظ على سلامة مقاتلي ذلك التنظيم يبدو هو لآخر أمرا غير مفهوم. غير أن صفقة الجرود كشفت ما هو مستور. داعش وحزب الله وجهان لعملة واحدة. فمن الغباء التفكير في أن حزب الله بدأ حربه على داعش متوهما أنه سيحرر الجنود المختطفين منذ ثلاث سنوات. لم تكن المعلومة التي تؤكد مقتل أولئك الجنود خافية على الجهاز الأمني لحزب الله. إن خفيت فإن الحصول عليها من قطر كان أمرا ميسرا، لا من قطر مباشرة بل من خلال اتصال إيراني بقطر. كانت صفقة الجرود مصممة من أجل تطبيع الحلول التي تنتج عن طريق الصفقات التي تعقدها العصابات المسلحة في ما بينها. تلتقي إرادتا إيران وقطر في تلك النقطة. لا وجود للدول التي سيضر بها ذلك الاتفاق بل هناك عصابتان تمتلكان القدرة على الحركة بحرية في ظل رعاية دولتين تمتلكان المال والنفوذ. لقد سفه حسن نصرالله ما قاله العراقيون دفاعا عن حقهم في أن لا تكون بلادهم مزبلة لداعش وفي الوقت نفسه لم يلتفت إلى حالة الاستفهام التي غلبت على الحزن في الشارع اللبناني. اما بالنسبة للسوريين فإن سيد المقاومة الذي كان يوما ايقونتهم لا يكلف نفسه عناء النظر إليهم. ما يجب أن نفهمه من تلك الصفقة أن إيران وقطر وهما الطرفان الراعيان للإرهاب في المنطقة قد توصلا إلى معادلات توجب التنسيق بينهما من أجل أن تستمر حالة الحرب في مناطق نفوذهما. المطلوب أن تستمر الحرب ضد داعش. اما داعش نفسها فإنها فرضية لا يمكن اثباتها. ذلك لأن تغذيتها تتم من قبل أعدائها المفترضين. فالتنظيم الإرهابي ضروري من أجل إشاعة الرعب بين صفوف الشيعة وهو ما مطلوب عراقيا، لذلك رحب حزب الدعوة بما قام به حزب الله. فعل حزب الله ما كان مناسبا لحزب الدعوة وهما ذراعا إيران في لبنان والعراق. أما قطر فإن ربحها الوحيد يكمن في أن يُحرم الشعبان اللبناني والعراقي من تضامن الاخوين السعودي والاماراتي. فاروق يوسف
مشاركة :