مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين

  • 8/8/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- التي وجهها يوم الجمعة الماضي للأمتين العربية والإسلامية وللمجتمع الدولي، وجيزة ومركزة وتحمل الكثير من الدلالات والرسائل. تذكرت وأنا أشاهد كلمة الملك، خطاب الرئيس السابق محمد مرسي الذي أمسك بنا على مدى ثلاث ساعات متواصلة بدأها في تمام الساعة التاسعة والنصف مساء يوم الاربعاء وانتهى الساعة الثانية عشرة صباح يوم الخميس، وكيف كنت على عتبات ذلك الخطاب أغفو وأصحو حتى وصل بنا الى قولة تعالى "لا يكلف الله نفسا الا وسعها" ، قلت في نفسي "والله يا ريس لقد كلفتنا فوق طاقتنا مللا وضجرا وفوق هذا كله سوء فهم"، يعني بالمعنى الشعبي "زود على هم الليالي غرابيل". حشد خادم الحرمين الشريفين كل المعاني التي أراد ايصالها في كلمات قليلة ذات دلالات كبيرة، وما يمكن التقاطه من هذا الخطاب حسب قراءتي له ثلاث رسائل رئيسية: أولا: الإرهاب ظاهرة عالمية ولا يمكن ان يكون مرادفاً لدين أو عرق بعينه. شدد الملك في خطابه من محاولة ربط الإرهاب بشكل عام بالإسلام، حيث أكد أن الاسلام براء مما تقوم به بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة، أمثال داعش والقاعدة وغيرها تحت غطاء الاسلام، من انتهاجها لأساليب العنف والعدوان وارتكاب ابشع الجرائم ضد الإنسانية، فالملك في خطابه يؤكد أن ما يقومون به -أي الجماعات الاسلامية المتطرفه تحت مسمى الدين- عيب وعار؛ لأنهم ينسبون أعمالهم للدين وهو براء من ذلك، واستأنف الملك بقوله: "فالدين الإسلامي يقدم صور الإنسانية والعدالة ويحفظ للناس حرماتهم وأنفسهم، وما تقوم به تلك الجماعات تشويه وإلصاق للصفات السيئة بأفعالهم وطغيانهم بدعوى دين الإسلام". ونذكر عندما حدثت احداث 11 سبتمبر وتلاها استهداف الاسلام والمسلمين بوصفهم متطرفين ارهابين، جاءت مجزرة اوسلو الذي ارتكبها النرويجي الذي ينتمي إلى التيار اليميني المسيحي المتطرف وراح ضحيتها ما لا يقل عن 100 بريء، لتعيد تصحيح نسبة الارهاب لأي دين او عرق او طائفة بعينها. فالجماعات المتطرفة التي تتبنى ايدلوجيات عنصرية متطرفة منتشرة في كل انحاء اوروبا وامريكا، وكان كثير منها متورطاً في تفجير كنائس وعيادات الاجهاض ولا يمكن نسيان تفجير مبنى اوكلاهوما عام 1995م او حادث إطلاق النار الذي حدث في أحد المولات التجارية في امريكا بشكل عشوائي، والذي اسقط العشرات من الابرياء، كما لا يمكن نسيان حادث إطلاق النار التي شهدته إحدى الجامعات الأمريكية، حيث قام احد الطلاب بإطلاق النار على زملائه داخل قاعة المحاضرات. وفي دراسة أعدتها «مؤسسة أمريكا الجديدة» أن ضحايا عمليات القتل التي نفذها أشخاص مرتبطون بأيدلوجيات تنتمي إلى اليمين المتطرف في أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2003 لأهداف سياسية أكثر من ضحايا عمليات القتل المرتبطة بأيدلوجيات «إرهابية». كل هذه الشواهد وغيرها تؤكد ان الارهاب ظاهرة عالمية ولا يمكن ان يكون مرادفاً لدين او عرق بعينه. ثانيا: التصدي للإرهاب يجب ان يكون بشكل جماعي ودولي "من مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية أدعو قادة وعلماء الأمة الإسلامية لأداء واجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف، والكراهية، والإرهاب، وأن يقولوا كلمة الحق، وأن لا يخشوا في الحق لومة لائم، فأمتنا تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة، وسيكون التاريخ شاهداً على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتفريق وتمزيق الأمة، وتشويه صورة الإسلام النقية". فالملك يؤكد في كلمته ان الارهاب يشكل خطراً عالمياً متجدداً يهدد العالم كله شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ولا يفرق بين الأماكن والأديان والجنسيات والألوان والأعراق، وبالتالي يجب التصدي له بشكل جماعي ودولي. فتمدد داعش في العراق ودول الجوار وسيطرته على منابع النفط لا يمكن ان يقتصر خطره على العراق، بل يمكن ان يهدد الاقتصاد العالمي، فاستمرار النمو الاقتصادي العالمي سيعتمد بشدة على استمرار إمدادات الطاقة من الخليج بشكل آمن ومستقر. فأمن الطاقة على صلة وثيقة بالامن الاقليمي الخليجي، وأي انقطاع لإمدادات النفط من الخليج سيسبب عواقب كارثية على الاقتصاد العالمي. أضف الى ذلك ان امتلاك داعش لأسلحة مضادة للطيران يمكن ان يشكل خطرا على الطيران المدني في المنطقة والعالم. يقول وزير الدفاع الامريكي تشاك هاجل خلال زيارة إلى قاعدة بحرية في جورجيا بجنوب شرق الولايات المتحدة: إن "مسلحي تنظيم "داعش" في العراق يمثلون خطرا ضد الشرق الاوسط وأوروبا والولايات المتحدة". وأضاف: إن "الجهاديين وخصوصا التابعين لـ"داعش" هم قوة متطورة ومتحركة ومنظمة وممولة بشكل جيد وكفء"، مشيرا إلى أنهم "يمثلون تهديدا لحلفائنا في الشرق الأوسط وفي أوروبا". ثالثا: المركز الدولي لمكافحة الإرهاب «أذكرُ من مكاني هذا أننا قد دعونا منذ عشر سنوات في مؤتمر الرياض إلى إنشاء (المركز الدولي لمكافحة الإرهاب)، وقد حظي المقترح بتأييد العالم أجمع في حينه، وذلك بهدف التنسيق الأمثل بين الدول، لكننا أصبنا بخيبة أمل بعد ذلك؛ بسبب عدم تفاعل المجتمع الدولي بشكل جدي مع هذه الفكرة، الأمر الذي أدى لعدم تفعيل المقترح بالشكل الذي كنا نعلق عليه آمالا كبيرة». وهنا يقدم الملك أولى خطوات الحل بالدعوة الى إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وذلك لإدراك المملكة أن "مكافحة الإرهاب مسؤولية جماعية تتطلب أقصى مستويات التعاون والتنسيق بين الدول، فبإنشاء هذا المركز سوف يتسنى للدول وضع آليات لتبادل المعلومات والخبرات بينها في مجال مكافحة الارهاب، كما سيسهم هذا المركز بعملية الربط بين اجهزة مكافحة الارهاب الوطنية من خلال قاعدة بيانات تسمح بالتحديث والتبادل السريع للمعلومات المتصلة بمكافحة الإرهاب وبالعمليات المضادة للإرهابيين. وأخيرا: "إن الصمت العالمي سيخرج جيلاً يؤمن بالعنف ويرفض أي فرصه للسلام، ومتدثرا بشعارات "صراع الحضارات لا بحوارها"، هذه الكلمات من خادم الحرمين الشريفين القوية في دلالتها.. العميقة في مضمونها.. الصادقة في معانيها.. أتمنى أن تجد آذانا صاغية وضمائر مستيقظة وإرادة حقيقة لمجابهة هذا الخطر الداهم الذي يهدد السلم والاستقرار العالميين.

مشاركة :