الكوارث الطبيعية.. تكلفة إنسانية باهظة

  • 9/14/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد شوقي عبد العاليُحيي العالم في الثالث عشر من أكتوبر كل عام «اليوم العالمي للحد من الكوارث الطبيعية»، وذلك بهدف رفع الوعي بمخاطر هذه الكوارث، وتخفيض معدلات الوفيات والخسائر المادية الناجمة عنها. أشار التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة للحدّ من الكوارث عام 2016، إلى أن الزلازل وموجات التسونامي تمثّل أكبر الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى الوفيات بين البشر، كما حذر التقرير من أن الحوادث المرتبطة بالمناخ والطقس، مثل العواصف وموجات الحرارة، هي ثاني أكبر هذه الكوارث أثراً على حياة الناس. وبدوره حذّر البنك الدولي في تقرير له من أن الكوارث الطبيعية يمكن أن تدمّر المناطق الحضرية، وتدفع ما يصل إلى 77 مليون شخص حول العالم إلى الفقر، بحلول عام 2030 إذا لم يتم إنشاء مزيد من البنى التحتية المرنة؛ أي تلك التي يُراعى في إنشائها مخاطر مثل هذه الكوارث.ولقد تزايدت الخسائر البشرية والمادية للكوارث الطبيعية منذ ثمانينات القرن العشرين بشكل كبير للغاية. فخلال الفترة بين عامي 1980 و2012، ووفقاً لتقرير البنك الدولي المعنون ب«إدارة مخاطر الكوارث من أجل تنمية تتسم بالمرونة» لعام 2014، بلغ إجمالي ضحايا هذه الكوارث من البشر ما يقارب 2.4 مليون شخص، وبلغت الخسائر المادية الناجمة عنها حوالي 3.8 تريليون دولار، وهو ما يعني وقوع مزيد من البشر في براثن الفقر والفاقة، وتزيد المأساة إذا علمنا أن الأسر الفقيرة والمهمّشة غالباً ما تكون هي الأكثر تضرراً من هذه الكوارث، لاسيما أنها أقل قدرة على مواجهة الكوارث واستيعاب آثارها والتعافي منها.ويتبيّن من الدراسات المتخصصة ذات الصلة، أن الأسباب الرئيسية لتزايد مخاطر الكوارث الطبيعية في العقود الأخيرة، تتمثّل في النمو السكاني الكبير غير المنضبط من جانب، وضعف البنية التحتية في المناطق المعرضة للكوارث، وتوسّع المدن في السهول المعرضة للفيضانات، وتدني معايير البناء من جانب ثان، فضلاً عن تداعيات تغير المناخ وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وما ترتب عليها من كوارث مائية ومناخية شديدة الخطورة من جانب ثالث.ولما كانت معالجة هذه الأسباب تبدو أمراً غير ممكن في المدى المنظور، كان من الطبيعي أن نتوقع استمرار هذه الكوارث، وأن نتوقع مزيداً من الخسائر البشرية والمادية نتيجة لها. ومن ثم كان من اللازم أن يسعى المجتمع الدولي إلى صياغة استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر للحد من هذه الكوارث، أو إن شئت فقل تحسين سبل التعامل الدولي معها. ويتضمن الحد من أخطار الكوارث كل السياسات والاستراتيجيات والإجراءات، التي تمكن الدول والمؤسسات والأفراد من زيادة القدرة على التصدي لهذه الأخطار. ونظراً لأن مخاطر الكوارث الطبيعية يمكن أن تهدّد أي دولة أو أي مجموعة من الأفراد دون استثناء، جاء نظام استراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث معتمداً على الشراكات وعلى تبنّي منهج عالمي للحد من الكوارث، يهدف إلى إشراك كل الأفراد والمجتمعات في التوجه نحو أهداف خفض أعداد ضحايا هذه الكوارث، وخفض الأضرار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تنتج عنها. وهو ما ظهر جلياً في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالحد من أخطار الكوارث، الذي عقد في مدينة سينداي باليابان خلال الفترة ما بين 14و18 مارس 2015، والذي أسفر عن إطار سينداي لتخفيض المخاطر 2015 2030. وواقع الأمر أنه ليس لزاماً أن تتحول المخاطر الطبيعية إلى كوارث، فمتى تم تقليص هذه المخاطر بتدعيم قدرة المجتمعات على مواجهتها والتكيف معها والتعافي منها، ومتى اتخذت الإجراءات اللازمة للوقاية التي هي دوماً خير من العلاج كانت تكلفة الإغاثة من هذه المخاطر أقل، ويمكن الحيلولة بينها وبين أن تتحول إلى كوارث على المستويين البشري والمادي.وقد حدد البنك الدولي خمسة مجالات رئيسية لبناء قدرات الدول على مواجهة الكوارث الطبيعية، وتتمثّل هذه المجالات في: أولاً: تحديد المخاطر بمعنى فهم مخاطر الكوارث والتنبؤ بالآثار المحتملة للمخاطر الطبيعية وتقييمها، وهو ما يساعد الأجهزة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية على اتخاذ قرارات واعية ومدروسة لإدارة تلك المخاطر. ثانياً: الحد من المخاطر، فعن طريق المعلومات التي تم تحديدها في البند السابق تمكن المساهمة في إثراء مختلف استراتيجيات التنمية والخطط والمشاريع التي يمكن أن تؤدي بدورها إلى تقليل المخاطر القائمة ومعالجتها، أو تجنّب خلق مخاطر جديدة. ثالثاً: الاستعداد، بمعنى أن اتخاذ إجراءات كافية للاستعداد بشكل أفضل لمواجهة المخاطر هو أمر ضروري للغاية، فنظم الإنذار المبكر على سبيل المثال، تساهم بشكل كبير في إنقاذ أرواح الكثيرين وحماية وسائل معيشتهم، وهي من أكثر السبل كفاءة، وأقلها تكلفة في خفض آثار الكوارث. رابعاً: الحماية المالية، ويقصد بها صياغة استراتيجيات لحماية الحكومات والشركات والأسر من الأعباء الاقتصادية للكوارث. خامساً: المرونة في إعادة البناء، بمعنى أن إعادة بناء ما تهدّم بفعل الكوارث، أو إعادة النظر في منظومة البنية التحتية ومعايير بناء المدن، تمثّل فرصة جيّدة لتحسين سبل التعامل مع الكوارث الطبيعية، من خلال التخطيط المرن والمتكامل وإعادة الإعمار، بما يقود إلى نمط من التنمية المرنة على المدى الطويل، ويسهم من ثم في مواجهة أفضل لمخاطر الكوارث الطبيعية. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، أن البنك الدولي لعب دوراً حيوياً في وضع حلول مبتكرة لتمويل إدارة مخاطر الكوارث. وتمكن عبر المساعدات التي يقدّمها، من تقديم الدعم للبلدان المعرضة للكوارث الطبيعية. ومن ذلك على سبيل المثال المساهمة في تأسيس «صندوق الكاريبي للتأمين ضد مخاطر الكوارث» عام 2007، وهو أول مؤسسة تمويل إقليمية لإدارة الكوارث في العالم. وإضافة إلى المساعدة الفنية في تأسيس الصندوق، قام البنك الدولي بتمويل انضمام عدد من بلدان مجموعة الكاريبي للصندوق، وساهم في صندوق ائتماني مع جهات مانحة عدة لهذا الغرض.كذلك فقد قام البنك الدولي، عبر الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها، وبمشاركة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وشركاء الاتحاد الأوروبي، بزيادة المساعدة المقدمة للبلدان التي تصيبها الكوارث، ومنها البلدان المعرضة للجفاف على نحو ما ظهر جلياً في أعقاب كارثة الجفاف الشديد الذي أصاب منطقتي الساحل والقرن الإفريقي، وكارثة إعصار الفلبين عام 2013. كما ساهم بناء على طلب الحكومة في سريلانكا في جهود تطوير منطقة كولومبو، من خلال مشروع للتنمية الحضرية في إقليم كولومبو الكبرى عام 2012، وذلك للمساعدة في الحد من أخطار الفيضانات في هذا الإقليم.

مشاركة :