< كانت نتائج الانتخابات السياسية الفرنسية على صعيد انتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية محورية في توقعاتها، إذ حصل حزب «الجمهورية إلى الأمام» برئاسة وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون على ما مجموعة 400 مقعد من أصل 577 مجموع عدد مقاعد البرلمان الفرنسي، محققاً فوزاً ساحقاً على مرشحة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان، التي اتهمت بأنها ذات توجهات سياسية عنصرية انعزالية، وتريد إخراج الجمهورية الفرنسية من منظومة دول الاتحاد الأوروبي على غرار ما فعلت بريطانيا، كما أنها معادية للعرب والمسلمين والأفارقة والملونين المقيمين في فرنسا تحت ذريعة محاربة الإرهاب، أما مرشح اليمين الفرنسي المتطرف الآخر السابق في الانتخابات فرانسوا أفيون فقد خرج من دائرة الانتخابات، نتيجة التهم التي وجهت لزوجته بالحصول على مميزات مالية واقتصادية غير مشروعة. ولكن من الأهمية بمكان هنا أن نتحدث عن الآفاق المستقبلية للجمهورية الفرنسية في عهد الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون، فقد قيل على الصعيد السياسي إن ماكرون هو منقذ منظومة الاتحاد الأوروبي من التفكك والانهيار، بعد أن أكد خلال تصريحاته السياسية أثناء الانتخابات وبعد فوزه بمنصب الرئاسة على أن فرنسا هي جزء أصيل من الاتحاد الأوروبي، هذه المنظومة الاقتصادية والسياسية الراسخة، وكذلك خلال لقائه بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وأن ألمانيا تمارس دوراً استراتيجياً في قيادة منظومة الاتحاد الأوروبي إلى الأمام. وعلى صعيد سياسة فرنسا الخارجية مع دول الشرق الأوسط العربية، فقد أكد ماكرون أن الجمهورية الفرنسية بصفتها دولة كبرى وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة لديها مصالح متشابكة تاريخية في منطقة الشرق الأوسط العربية، من دول شمال أفريقيا العربية إلى دول الخليج العربي، على أن تصريحات ماكرون الأخيرة بصدد الأزمة في سورية لا تعتبر تغيراً استراتيجياً في موقف فرنسا من الأزمة في سورية، بل هو تغير تكتيكي، وكذلك بصدد الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية العربية المحتلة (الضفة الغربية والقدس العربية الشرقية الإسلامية وقطاع غزة في حدود سنة 1967)، وكذلك أكد الرئيس الفرنسي تأييده المطلق لمشروع حل الدولتين في فلسطين التاريخية دولة عربية فلسطينية ودولة إسرائيلية، وتجب الإشارة هنا إلى أن موقف فرنسا التاريخي هو مؤيد للسياسات الإسرائيلية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. وعلى صعيد الأزمة مع قطر، فقد أرسل الرئيس الفرنسي الجديد وزير خارجيته للخليج العربي، بهدف إيجاد حلول سياسية على صعيد الأزمة مع دولة قطر والدول العربية الأخرى، وهي الإمارات والبحرين ومصر والسعودية، إذ أكدت فرنسا على تأييدها للوساطة السياسية التي حركتها دولة الكويت بهذا الصدد، وعلى ضرورة احتواء الأزمة سياسياً، كذلك أكد وزير خارجية فرنسا خلال جولته في منطقة الشرق الأوسط وبالذات في (المملكة) على تأكيد القيادة الفرنسية الجديدة في عهد الرئيس ماكرون على دعم وتأييد المملكة العربية السعودية سياسياً واقتصادياً، وفتح آفاق جديدة مستقبلية للتعاون معها اقتصادياً ونفطياً وعسكرياً وثقافياً وسياسياً. لقد تعرضت فرنسا خلال الأشهر السابقة لأعمال إرهابية إجرامية في العاصمة باريس ومدن فرنسية أخرى، أدت إلى مصرع وجرح العشرات من المدنيين الفرنسيين، من بينهم نساء وأطفال، واتهمت المنظمة الإرهابية الإجرامية «داعش» بأنه يقف ورائها، كما أن هناك نحو خمسة ملايين مواطن فرنسي مسلم تعرضوا نتيجة لهذا لأعمال إرهابية عنصرية من اليمين الفرنسي المتطرف، لذلك خلال الحملات الانتخابية السابقة قام إيماونيل ماكرون بزيارة الجزائر (إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة) ووجه رسائل سياسية إلى دول عربية أخرى مثل تونس والمغرب، ليؤكد أن المواطنين المسلمين في فرنسا هم جزء أصيل من نسيج المجتمع الفرنسي، وقال كلمته المشهورة: «لن أضع المسلمين الفرنسيين في مواجهة مع الجمهورية الفرنسية»، على أن التحدي الأكبر في سياسة فرنسا الخارجية يظل نحو مستعمراتها الأفريقية، مثل مالي والسنغال وغينيا والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وبوركينا فاسو، وسكان هذه الدول ذوو غالبية إسلامية، فهل ستتوقف فرنسا مستقبلاً عن التدخل العسكري في هذه الدول؟
مشاركة :