قبل نحو عام من الآن، كانت الموانئ المصرية ممتلئة بالبضائع، وفي نفس الوقت يتجول المستوردون على مكاتب شركات الصرافة ويبحثون في السوق السوداء عن الدولار الذي كان يمثل العثور عليه أكبر أزمة أمام كبار شركات الاستيراد والتجار. لكن خلال أقل من 10 أشهر، تسببت السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية في السيطرة وبشكل تام على الأزمة التي استمرت لأكثر من عامين مع تفاقم أزمة شح الدولار في السوق المصري، وانتشار ظاهرة الدولرة، وتحول مكاتب وشركات الصرافة إلى مضاربين على العملة الأميركية التي كانت تقاطع السوق المصري بشكل حاد، وخاصة في السوق الرسمي. وفي بداية العام الماضي كان حجم البضائع المكدسة بالموانئ المصري تتجاوز 5 مليارات دولار، وفي نفس الوقت كان سعر صرف الدولار في السوق الرسمي 8.88 جنيه، بينما كان يباع في السوق السوداء بأقل من 10 جنيهات بقليل. لكن في بداية شهر نوفمبر الماضي أعلن البنك المركزي المصري سلسلة من القرارات والإجراءات التي جاءت في إطار برنامج إصلاحي يشرف عليه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والذي حصلت مصر بموجبه على قروض من الصندوق بقيمة 12 مليار دولار موزعة على 3 سنوات. كان أول هذه القرارات هو تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف بشكل كامل، وقام المركزي المصري بوضع سعر استرشادي للدولار عند 13 جنيهاً، لكنه سرعان ما قفز في السوق الرسمي إلى 19.60 جنيهاً خلال شهرين من قرارات التعويم. وبالتوازي مع ذلك، أعلنت وزارة المالية تدخلها في ضبط سعر الدولار الجمركي الذي يستخدمه المستوردون في الاستيراد، حيث حددت وقتها سعر صرف الدولار الجمركي عند 18.50 جنيهاً، وبمرور الوقت بدأت خفض سعره ليصل في شهر سبتمبر الجاري إلى 16 جنيهاً، وهو ما جاء بالتوازي مع التراجع الذي يشهده سعر صرف الدولار في البنوك والذي تراجع ليسجل في الوقت الحالي نحو 17.60 جنيهاً. وقال رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة، أحمد شيحة، إنه لم يعد هناك أزمة في وجود الدولار ولكن الأزمة مستمرة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على أسعار جميع السلع التي قفزت بنسب كبيرة منذ تعويم الجنيه وتحرير سوق الصرف. وأشار "شيحة" في حديثه لـ "العربية.نت"، إلى أن المستورد قبل تعويم الجنيه وتحرير سوق الصرف كان يتولى بنفسه مهمة توفير العملة الصعبة اللازمة لإتمام عملياته الاستيرادية، وكان يلجأ إلى السوق السوداء وشراء الدولار بسعر أعلى من سعره الرسمي بنسب كبيرة كانت تصل إلى 25% في بعض الأحيان. وفي منتصف الشهر الماضي، أعلن البنك المركزي المصري أنه تمكن من توفير نحو 47 مليار دولار لتمويل عمليات التجارة الخارجية، من بينها 34 مليار دولار اعتمادات مستندية كانت قائمة و13 مليار دولار اعتمادات جديدة. وأوضح "لمركزي المصري" أن الأسواق المصرية كانت تعاني قبل تحرير سعر الصرف من تكدس البضائع والسلع في الموانئ نظرا لعدم توافر العملة الأجنبية، لكن بعد تحرير سعر الصرف أصبح الآن لا يوجد سلعة واحدة بالموانئ معلقة. وأعلن البنك المركزي بداية شهر أغسطس الماضي ارتفاع الاحتياطي النقدي بنحو 4.7 مليار دولار، ليصل إلى 36.036 مليار دولار في شهر يوليو الماضي، ليعود لأول مرة إلى نفس معدلاته قبل ثورة يناير 2011.
مشاركة :