في أحد الأيام، كان يسير الملك فاروق في شوارع الجيزة، ثم قرر أنّ يدق باب بيت هُناك، وكان بصحبته اللواء، عمر فتحي، تقدّم اللواء حينها يدق الباب دقًا متواصلاً، ولكن أحدًا لم يفتح الباب، ثم أطلت فتاة من نافذة الدور العلوي، وقالت للملك: «ماذا تريد؟»، فأجاب: «افتحي، أريد أن أراك»، وفقًا لما ذكره الكاتب، مصطفى أمين، في كتابه «ليالي فاروق»، الصادر عن دار «أخبار اليوم». وما كان من الفتاة، إلا إنها قالت بعدم اكتراث «إن أبي وأمي ليسا هُنا، ولا أستطيع أن أراك بغير وجودهما»، وألح الملك على الفتاة أن تفتح الباب لأنه يريد أن يحدثها دقيقة واحدة، ولكنها أغلقت نافذتها في وجه الملك وانصرفت، فرجع الملك للوراء وركب سيارته بسرعة، قائلاً لمن معه: «إنها مجنونة، لم تقفل الباب في وجهي، وإنما أقفلته في وجه سعادتها، لقد كنت أريد أن تكون هذه الفتاة ملكة مصر، ولكن الحظ تخلّى عنها». كانت تلك الفتاة هي «قدرية أبو أصبع»، ابنة إحدى وصيفات الملكة السابقة، نازلي، كانت تلك الفتاة تذهب إلى قصر عابدين وتلعب مع الأميرات فوزية وفايزة وفايقة، وعندما عاد فاروق من انجلترا بعد وفاة الملك فؤاد، وأصبح ملكًا، رآها مع شقيقاته فأعجب لها وقرر أن يتزوجها، وعندما كان يتقرّب إليها، كانت تُشيح وجهها عنه، مما أثار من اهتمامه، وزاد من رغبته في الزواج بها. كان فاروق يظُن في البداية أنها تتهرب منه، لكى تدفعه إلى الزواج منها، ولكنه لم يلبث أن عرف أنها لا تريد أن تتزوج ملكًا، لقد كانت الأبواب يومئذ مفتوحة في وجهه، كان الشعب يضع صورته في كل بيت، وكان اسمُه على كل لسان، ولكن هذه الفتاة العجيبة لم تثرها كل هذه المظاهر، ولم تجعلها تغير رأيها في هذا الشاب الصغير الذى كانت تلعب معهُ وهي طفلة. سمّى فاروق هذه الفتاة حُبه الأول، وهو غرام من طرف واحد، فإن الفتاة الصغيرة جعلته يحس أنها لا تشعر بوجوده، وكانت هذه أول صدمة في حياته، وقال رجال حاشيته يومها: «إنه أغلق باب غرفته على نفسه غاضبًا»، ودخلت عنده أمه الملكة نازلي، وسألته عما به، فأخبرها بما حدث. اقترحت الملكة أن تدعو والد الفتاة والفتاة لترافقاها في رحلتها مع فاروق إلى سان موريتز في ذلك الشتاء، ورحبّ الملك بالفكرة، واتصلت الملكة آنذاك بوالد الفتاة وعرضت عليه الفكرة، ولكنها رفضت، وبقيت الملكة نازلي ساعات طويلة مع الأم وابنتها تحاول إقناعهما بالسفر، بينما تشبّثت الفتاة برأيها وقالت إنها لن تُسافر. وبعد أنّ أعرض الملك عن حُبها، تزوجت الفتاة من أستاذ في الجامعة، وقالت إنها لم تكُن تبحث عن ملك، ولكن حياة هادئة، فلم تندم على أنها لم تتزوج الملك، بل إنها كانت تصلي شاكرة أنه هداها في سن السادسة عشر من عمرها إلى أن ترفض دخول باب «مكتوب عليه الجنة ووراءه جهنم الحمراء».
مشاركة :