بمجرد أن أعرب جيرتجان فليجي أحد كبار مسؤولي لجنة تحديد سعر الفائدة في بنك إنجلترا "المركزي البريطاني" عن توقعاته برفع الفائدة في المصارف البريطانية بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وصل الجنيه الاسترليني إلى أعلى مستوى له منذ عام تقريبا. المسؤول البريطاني، الذي يعتبر واحداً من أكثر أعضاء لجنة السياسة النقدية حذراً، كشف عن أن القناعة السائدة لديه، ولدى عدد من المسؤولين عن صنع السياسة المالية للمملكة المتحدة تغيرت في الآونة الأخيرة، فبعد أن كانت ترى أن معدل النمو متواضع، وأن تراجع الضغوط التضخمية في الأسواق البريطانية، يجعل من مصلحة الاقتصاد البريطاني الإبقاء على سعر فائدة منخفضة، تغيرت تلك الرؤية بفضل البيانات الاقتصادية الأخيرة، التي تكشف أن المصرف يمكنه رويدا رويدا رفع أسعار الفائدة بعد سنوات من إبقائها قريبة من الصفر، وتحديدا عند حدود 0.25 في المائة وهو أدنى معدل فائدة في تاريخ المملكة المتحدة من 300 عام. ويرى فليجي، خلال كلمة ألقاها في جمعية اقتصاديي الأعمال في لندن، أن تراجع الركود الاقتصادي، وتسجيل معدل البطالة أدنى مستوى في أكثر من أربعة عقود كلها دلالات على زيادة الاستهلاك ونمو أسرع في الأجور. وأضاف فليجي، أنه "لا يزال هناك خطر يتمثل في أن عدم اليقين المحيط بعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في مرحلة ما، له تأثير أكبر في الاقتصاد أكثر مما حدث حتى الآن، وإذا حدث عكس ذلك، فإن السياسة النقدية ستستجيب بشكل مناسب". وكانت الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008 قد تركت بصمات ثقيلة على معدل أسعار الفائدة في بريطانيا، ففي مارس عام 2009 خفض بنك إنجلترا الفائدة إلى 0.5 في المائة، وظل الوضع هكذا حتى انحاز الناخب البريطاني إلى خيار مغادرة الاتحاد الأوروبي، بعدها قامت السلطات المالية بمزيد من الاقتطاع في أسعار الفائدة خشية التداعيات الاقتصادية السلبية للخروج من عضوية التكتل، فخفضت سعر الفائدة إلى 0.25 في المائة. جورج جلوفر المختص المصرفي يعتقد أن السبب الرئيسي وراء التحول المفاجئ في موقف بنك إنجلترا يعود إلى عدة أسباب أبرزها انخفاض معدل البطالة ما يؤشر على اقتراب الاقتصاد البريطاني من التوظيف الكامل، وهذا يعني أن سوق العمل في أفضل أوضاعها. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "انخفاض البطالة ترافق مع احتمال رفع الأجور خلال الأشهر المقبلة، خاصة بعد أن ألغت الحكومة الحد الأقصى الذي كانت تضعه على الزيادة السنوية لرواتب أصحاب المعاشات ولحراس السجون، وسط توقعات بأن تتم إزالة الحد الأقصى للزيادة بالنسبة إلى عديد من الوظائف الأخرى، وهو القرار الذي اتخذته حكومة المحافظين السابقة في إطار السياسة الانكماشية التي تبنتها لسنوات". وأشار جلوفر إلى أن هناك عاملا آخر مهما يتمثل في ارتفاع معدلات التضخم في الشهر الماضى إلى 2.9 في المائة بينما المعدل المستهدف من بنك إنجلترا 2 في المائة، ولذلك ترمي الحكومة برفع أسعار الفائدة إلى امتصاص أي فوائض نقدية في الأسواق، للحد من التضخم. وكان مارك كارني محافظ بنك إنجلترا قد ألمح بأن الوقت قد حان لرفع أسعار الفائدة في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار نتيجة تراجع قيمة العملة البريطانية جراء قرار الخروج الأوروبي. الدكتور جراند كينت أستاذ المالية العامة لا ينفي صحة تلك الأسباب المشار إليها، لكنه يعتبرها أسبابا مالية تقف وراء التوجهات الجديدة لبنك إنجلترا، بينما من وجهة نظره يجب النظر إلى العوامل المتعلقة بتغير المشهد الاقتصادي المستقبلي لبريطانيا جراء مغادرة التكتل الأوروبي. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "الجميع يدرك أن عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي السائد حاليا في المملكة المتحدة نتيجة الخروج الأوروبي، لا يعد وضعا لحظيا أو وقتيا، إنما يرجح أن يستمر في الاقتصاد البريطاني لعدد من السنوات"، مشيرا إلى أن هذا الوضع الجديد سيؤدي إلى تغيرات ملموسة في المشهد البريطاني، ومن ثم فإن الأمر يتطلب سياسة مالية جديدة قادرة على التعامل مع تلك المتغيرات. وأوضح كينت، أن أحد جوانب تلك السياسة الجديدة يتمثل في إلغاء القوانين البريطانية المرتبطة بقوانين الاتحاد الأوروبي، ومن ثم يمكن للندن صياغة قوانين خاصة بها بحيث تصبح قادرة على جذب استثمارات خارجية، وإحدى الوسائل لجذب رؤوس الأموال في الداخل والخارج هي رفع أسعار الفائدة. ومع هذا يرى بعض الاقتصاديين أن القرار في حاجة إلى مزيد من التريث، فإذا كان ارتفاع معدلات التضخم أحد أبرز الأسباب التي دعت بنك إنجلترا الى التفكير في رفع أسعار الفائدة، فإن معدلات التضخم يمكن أن تتراجع العام المقبل مع تلاشي تأثير العملة في معدل التضخم. لكن تلميحات كبار مسؤولي بنك إنجلترا بشأن رفع أسعار الفائدة، والانعكاسات الجديدة على سعر الاسترليني في مواجهة الدولار واليورو، لا تعبر عن المشهد من جميع زواياه، فبعض أهم الفاعلين في الاقتصاد البريطاني، كانت تلك الأنباء بالنسبة إليهم مدعاة للقلق والتوتر. تشافيل فينيس المحلل المالي في سوق الأوراق المالية في لندن يرى أن "أكثر القطاعات الرابحة في الاقتصاد البريطاني نتيجة تراجع أسعار الاسترليني، هي البورصة وقطاع الصادرات والسياحة، فجزء ملموس من أرباح البورصة البريطانية يعود إلى استثمارات الشركات البريطانية في الخارج، والأرباح التي تحققها تلك الشركات في الأسواق الدولية، وعند تحويل إيراداتها وأرباحها المالية من العملات الدولية مثل اليورو والين والدولار إلى العملة البريطانية، ونتيجة انخفاض سعر صرف الاسترليني، فإن معدل أرباح تلك الشركات يرتفع. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "انخفاض قيمة الاسترليني يجعل بورصة لندن وأسهم الشركات البريطانية جذابة لرؤوس الأموال الأجنبية، وكذلك الحال بالنسبة إلى قطاعات الاقتصاد البريطاني العاملة في مجال التصدير سواء القطاعات الصناعية أو القطاع الخدمي، إضافة طبعا إلى القطاع السياحي، وجميع تلك القطاعات ستتضرر بصورة مباشرة وغير مباشرة من ارتفاع أسعار الفائدة، وما يترافق معها من ارتفاع في سعر صرف الاسترليني، إذ يتوقع انخفاض عدد السياح القادمين إلى المملكة المتحدة، كما أن الإقبال على الصادرات البريطانية قد يتراجع نسبيا جراء ارتفاع أسعار السلع البريطانية مقارنة بأسعار السلع من البلدان المنافسة". وأشار فينيس إلى أن هذا الوضع قد يزداد تعثرا في ضوء الاحتقان الراهن بين بريطانيا والأوروبيين فيما يتعلق بالمحادثات الجارية بشأن مغادرة التكتل الأوروبي التي تبدو حتى الآن أنها تسير من فشل إلى آخر.Image: category: عالميةAuthor: هشام محمود من لندنpublication date: السبت, سبتمبر 16, 2017 - 03:00
مشاركة :