هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة «تنبش» أسرار الصحراء

  • 9/16/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

«من ليس له ماض، ليس له حاضر ولا مستقبل». بهذا القول للراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بدأ رئيس مجلس إدارة هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، محمد خليفة المبارك، حديثه مع «الحياة»، موضحاً أن تلك المقولة هي المبدأ الذي تسير عليه الهيئة ضمن مساعيها المستمرة لكشف أسرار صحارى دولة الإمارات وبراريها «التي تجود بين الحين والآخر بكشف أثري جديد. ومع ظهور كل قطعة، ونفض غبار التاريخ عنها، تتكشف حقائق، وتثبت وقائع، وتتغير رؤى المؤرخين. وكأن وجه تلك الصحارى يواري في ثناياه سطوراً من التاريخ كتبت بالحبر السري، وتنتظر من يفك طلاسمها». عن تاريخ الاكتشافات الأثرية في الإمارات، قال المبارك أن أول أعمال التنقيب عن الآثار في دولة الإمارات بدأت في خمسينات القرن الماضي، خلال حملة التنقيب عن مدافن العصر البرونزي في جزيرة أم النار، والتي قادتها بعثة دنماركية، جاءت إلى دولة الإمارات بدعوة شخصية من الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبو ظبي آنذاك. وأضاف: «من أهم الاكتشافات الأثرية التي نجح علماء آثار لدينا في كشفها، موقع تجاري على جزيرة صير بني ياس يعود إلى 4 آلاف سنة. كانت تجرى أعمال التنقيب على بناء حجري يقع على الساحل الجنوبي الغربي من الجزيرة، وعثر داخل البناء على قطع عدّة لجرار فخارية كبيرة مكسورة مصنوعة في البحرين قبل نحو 4 آلاف سنة، تعود إلى الفترة التي كانت تنشط فيها التجارة البحرية في شكل كبير بين الإمارات والبحرين والعراق وجنوب آسيا، وهي المرة الأولى التي تُكتشف قطع كاملة منها». وأوضح: «من المؤكد لدينا، أن هذه المنطقة من العالم كانت منذ فجر التاريخ محوراً للتجارة الإقليمية والعالمية، وشهدت عبر العصور صعود حضارات متقدمة ومتطورة، امتلكت أنظمة راسخة وفاعلة، وتمكنت من وضع قواعد وتشريعات للنشاط التجاري البحري. ما نعيشه اليوم من نهضة حضارية، عاشه أسلافنا من آلاف السنين، فالجغرافيا لا تتغير أما التاريخ فيسطره القادة والأمم والشعوب». ومن أبرز القطع التي اكتشفت، ختم يُرجح أنه مصنوع من الحجر الصابوني، يشكل نموذجاً للأختام الدلمونية الشهيرة، و «دلمون» هو الاسم الذي كان يُطلق على البحرين والمناطق المجاورة. واستخدم التجار هذه الأختام لترخيص عبور شحنات البضائع إلى أنحاء الخليج العربي، وقد عُثر على بعضها سابقاً في الإمارات، لكنها المرة الأولى التي يتم العثور فيها عليها في منطقة الظفرة في أبو ظبي. وتكمن أهمية هذا الكشف الأثري في تطوير رؤيتنا لشكل منطقة جزيرة صير بني ياس وما لعبته من دور في حركة التجارة العالمية خلال العصر البرونزي قبل أكثر من 4000 سنة. ولا تزال الأهمية التجارية لجزيرة صير بني ياس قيد البحث والدراسة، وقد ترجع أهميتها إلى توافر المياه العذبة، الأمر الذي ساهم في إقامة حضارة إنسانية على الجزيرة منذ زمنٍ بعيد. كما ساعد ذلك في العقود القليلة الماضية على إقامة حدائق نخيل في قرية «الظهر» ترويها مياه الآبار. يضاف إلى ذلك موقع الجزيرة القريب من البر الرئيسي ما يتيح تبادل البضائع بسهولة. ويعمل علماء الآثار في الهيئة على درس الاكتشافات التي سجلت هذا العام. وينتظر أن تعرض نتائج هذه الدراسة في مؤتمر دولي يستضيفه «المتحف البريطاني» في آب (أغسطس) المقبل. وسيشكل هذا الموقع العائد إلى العصر البرونزي، إضافة إلى المواقع الشهيرة الأخرى في جزيرة صير بن ياس، مثل الدير المسيحي القديم، جزءاً مهماً من خطة السياحة التراثية المقررة لهذه الجزيرة. وعن أحدث نشاطات الاستكشافات الأثرية لهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في الإمارة، كشف المبارك أنه بعد توقف 30 سنة، استأنف فريق من الآثاريين الإماراتيين والدوليين في آذار (مارس) الماضي، أعمال البحث والتنقيب من جديد في موقع «هيلي 8» الأثري باستخدام أحدث التقنيات والأساليب العلمية. ويعد هذا الموقع أحد أقدم مواقع الاستيطان الزراعي في الدولة، ولعب دوراً رئيسياً في فهم مراحل تطور زراعة الواحات في مدينة العين والجزيرة العربية عموماً. ويقع «هيلي 8» قرب حديقة آثار هيلي في العين، وأظهرت أعمال التنقيب التي قام بها علماء آثار فرنسيون في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته دليلاً مبدئياً على بداية زراعة التمور والحبوب مثل القمح والشعير في الموقع منذ قرابة 5 آلاف سنة. وخلال عمليات التنقيب التي تُجرى حالياً، تم اكتشاف مجموعة غنية من اللقى الأثرية وبقايا النباتات والحيوانات التي ستخضع لكثير من الاختبارات العلمية، من ضمنها تقنية التأريخ باستخدام الكربون-14، كما سيعمل الفريق على تحليل بقايا النحاس القديم الموجود في الموقع، وإخضاعها لاختبارات النظائر المشعة لتحديد متى بدأ استغلال النحاس والإتجار به في دولة الإمارات. وأوضح المبارك أن فريق العمل نجح في استخراج بقايا النباتات المكتشفة في الموقع وتحليلها، على رغم أنه من الشائع اكتشاف البذور الصغيرة والمحترقة في المواقع الأثرية، إنما من النادر رؤيتها بالعين المجردة. لذا، تُغمر التربة التي تحتضن بقايا البذور بالماء لتطفو ببطء وتعوم البذور القديمة على السطح. ولإجراء هذه العملية أعدت الهيئة نظاماً خاصاً صديقاً للبيئة يعتمد على إعادة تكرير المياه.

مشاركة :