أكراد العراق… المواطنة المنقوصة والأقليات المقومنة بقلم: أمين بن مسعود

  • 9/18/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الجغرافيات المتمردة كثيرة في وطننا العربي وقطار قومنة الإثنيات والأقليات سيمر على أكثر من هوية قلقة تنتظر توازنات الداخل والخارج لإعلان الانشطار والتمايز.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2017/09/18، العدد: 10755، ص(7)] كانت بداية تفتيت ما تبقّى من جغرافيا سايكس بيكو كامنة في جنوب السودان بعد استفتاء يونيو 2010 ورسملة الانفصال في يناير 2011، ولن يكون استقلال كردستان عن العراق النهاية، ذلك أنّ الجغرافيات المتمردة كثيرة في وطننا العربي وقطار قومنة الإثنيات والأقليات سيمرّ على أكثر من هويّة قلقة تنتظر توازنات الداخل والخارج لإعلان الانشطار والتمايز. ساهم الاحتلال الأميركي للعراق في مأسسة الانفصال الناعم لإقليم كردستان عن الجغرافيا العراقية، فتعامل مع الأكراد كأمّة ومع البيشمركة كجيش ومع إقليم كردستان كسلطة محليّة واسعة الصلاحيات في مقابل تفكيكه للمؤسسة العسكرية والأمنية العراقية وضرب مقدّرات الأمّة العربية بإلغاء البعد العربي للعراق وإيقاظ الهويات الجزئية القائمة في الطائفيات المقيتة. وفي مقابل تفكيك إدارة الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر للسلطات العراقية وفق مقولة الطائفية الدستورية والمذهبية السياسية تمثّلت إدارة الاحتلال في إقليم كردستان كلبنة موحدة ونظام متكامل وسلطة صمّاء ومؤسسات قائمة وقادرة على الحكم وسياسة “شعب كردستان العراق”. وفق هذا الحال تحوّلت الدولة العراقية إلى كينونة من الميليشيات السياسية والطائفيات الهجينة واستحال الإقليم إلى شبه دولة مستقلة تتعامل معها واشنطن والغرب بمنطق القنصليات وتعقد معها من تحت الطاولة ومن فوقها أيضا صفقات نفط وغاز طبيعيّ. غير أنّ الحقيقة التاريخية التي تقف ثابتة حيال الأوضاع في العراق اليوم كامنة في أنّ التقسيم العمودي والأفقي لمنظومة التجمع البشري وتحويله -أي جوهر التجمع الإنساني في العراق- من فضاء المواطنة إلى سياق الطائفية ومن فضاء الوطن إلى سياق الطائفة ومن إطار الدولة إلى مجال هويات ما قبل الدولة الوطنيّة، يحمل في طياته بذور الانقسام ومقدّمات الانشطار. كان دستور العراق لسنة 2005، واحدا من أبشع وأسوأ النصوص التشريعية -هذا إن سميناه نصا تشريعيا- التي مرت على أرض حمورابي، لا فقط لأنّ الدستور يمثل انتكاسة حضارية وثقافية ودستورية عبر تقسيم العراق بلادا وعبادا وجغرافيا إلى كنتونات طائفية ومذهبية بل وهو الأهم والأخطر لأنّه شكّل حاجزا وحائلا نفسيا واجتماعيا وتاريخيا لإعادة بناء الدولة من جديد ولجسر الهوّة بين أبناء الشعب العراقي. في المحصلة عرف العراق حالة من حالات تفتيت الدولة عبر خلق روادف هجينة لها، فالميليشيات حلت محلّ الجيش والأمن، والحدود العرقية والطائفية استبدلت حدود الوطن والمواطنة، والسرديات النقية عن الطائفة والمذهب قامت مقام التاريخ المشترك للعراق والعراقيين. وكما أنّ السلطة في بغداد استبطنت منطق الطائفية ومنطوقها الإعلامي والتشريعي ووظفته أيضا خدمة لأجندات إقليمية واستفادت من تموقعها ضمن محاور الشرق الأوسط فإنّها لا تملك اليوم الحق الأخلاقي والسياسي في رفض مخرجات منظومة سياسية قوامها التقسيم على أساس طائفي ومذهبي وإثنيّ. بنفس المعنى أيضا لا تمتلك قوى إقليمية على غرار تركيا وإيران حقوق رفض الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، فالأولى عقدت صفقات نفط وغاز طبيعي بملايين الدولارات مع أربيل دون استشارة بغداد بل وشجعت أنقرة قادة كردستان العراق على الاستفادة من نفط الإقليم وبيعه بأسعار تفاضليّة. أما الثانية فتحالفت مع جلال الطالباني ودعمته في كافة الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسيّة ضدّ عائلة البارزاني وكانت تبحث لها عن موطئ قدم راسخة في أربيل يمكنها من المحافظة على حصتها من ريع النفط ويؤمّن توازن التفاهمات بين قادة كردستان من جهة وحلفاء إيران في بغداد من جهة ثانية. حتّى الاتحاد الأوروبي الذي يقف اليوم موقف التحفظ والتوجس من الاستفتاء الذي سيجريه إقليم كاتالونيا استدرارا للاستقلال من إسبانيا، لم يتوقف لحظة في مدّ أكراد العراق وسوريا بالتحديد بالسلاح والعتاد والمال ليس حبا في أرض العراق والشام ولا كرها لداعش وأخواتها في المشرق العربي بل تكريسا لشخصية قانونية وإدارية وعسكرية ذات استقلالية على ارض كردستان وبالتالي المزيد من التقسيم على الجغرافيا المقسّمة أصلا. الاستفتاء في شكله انفصال كردستان عن العراق وفي جوهره استقلال الأكراد بدولتهم عن الإقليم برمته، وهنا تتحسّس سوريا وإيران وتركيا ذات الخطر الذي تتحسّسه بغداد اليوم. ذلك أن كردستان ليست سوى لبنة بكر لدولة قومية كردية بعنوان كردستان الكبرى، من يستطيع أن يتنبأ بعدم استحضار السيناريو العراقي في سوريا وإيران وتركيا بشكل من الأشكال. إعصار كردستان العراق لن يقف عن حدود انتشار الأكراد في المشرق العربي، ذلك أنّه سيكون نموذجا لأقليات لغوية وإثنية عديدة في العالم العربي عملت عدة ميكانيزمات داخلية وخارجية على تصييرها إلى “أقليات قومية” تتمثل أفرادها كشعوب مستقلة مضطهدة وتتصور تاريخها كسرديات نقية للأنا الجمعي ضدّ الآخر المستعمر وترى في كردستان مثالا للانعتاق من ربقة التاريخ والجغرافيا، والقضية للمتابعة. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود

مشاركة :