تونس تتجه لإجراء تغييرات تبقيها كلاعب أساسي في الأزمة الليبية.العرب منى المحروقي [نُشر في 2017/09/19، العدد: 10756، ص(4)]لقاء طال انتظاره تونس - أنهت الزيارة التي قام بها القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر إلى تونس الإثنين، حالة من الجمود الذي طبع العلاقات بين تونس والسلطات شرق ليبيا، منذ بداية أزمة الشرعية منتصف سنة 2014. وأكد حفتر في تصريح نشرته صفحة الرئاسة التونسية عقب اللقاء الذي جمعه بالرئيس الباجي قايد السبسي تطابق وجهة نظره مع الجانب التونسي. وأضاف “تبقى تونس من الدول الشقيقة الجارة التي تقف دائما مع ليبيا سياسيا وتتحدث بقوة في المواقع التي يجب أن يكون فيها رأي”، معربا عن سعادته بكل ما يقوم به الجانب التونسي على الرغم من ظروف البلاد. وتشير تصريحات حفتر إلى تفهمه للموقف الذي اتخذته تونس إزاء الأزمة الليبية طيلة السنوات الماضية، والذي أغضب حفتر ومن ورائه الحكومة الليبية المؤقتة. واختارت تونس عقب انقلاب ميليشيات إسلامية تحت ما سمي بـ”عملية فجر ليبيا”، التعامل مع حكومة الإسلاميين في طرابلس بقيادة خليفة الغويل. وبررت الحكومة التونسية التي كان يقودها مهدي جمعة حينئذ تعاملها مع الإسلاميين لاعتبارات فرضها الواقع. وتتركز مصالح تونس مع ليبيا مع الجزء الغربي القريب منها عكس المنطقة الشرقية البعيدة عنها جغرافيا، كما أن علاقاتها أقوى منذ التاريخ مع هذا الغرب سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمنية أو حتى العلاقات الاجتماعية بين مواطني البلدين. ولم تتغير سياسة تونس تجاه ليبيا عقب وصول حزب نداء تونس إلى الحكم ورئيسه الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج نهاية 2014، الذي أدلى بتصريحات أثارت جدلا كبيرا في الوسطين التونسي والليبي. وقال حينئذ إن تونس تتعامل مع الطرف الفاعل على الأرض في ليبيا بغض النظر عن شرعيته، لافتا إلى أن الاعتراف الدولي بالحكومة الموجودة في طبرق ليس له أي معنى. وتابع “هذه الحكومة لا دور لها في تسيير الأمور في مناطقها، هناك سلطة واقعية موجودة في طرابلس”، في إشارة إلى حكومة الغويل التي مازالت تنافس إلى اليوم حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.عيسى عبدالقيوم: التقارب الجديد بين تونس وحفتر لن يكون بمعزل عن الأزمة التي عصفت بقطر وفي معرض تبريره لاستقبال رئيس حكومة الإسلاميين، قال السبسي حينئذ إنه مستعد لاستقبال “الشيطان” من أجل مصلحة تونس، مؤكدا أن تعاون تونس يكون مع من له صلة بالقضايا التي تمسها، واصفا ذلك التعاون بـ”الضروري”. لكن مراقبين قالوا حينئذ إن اعتراف تونس بحكومة الإسلاميين فرضه التوافق الذي مازال مستمرا بين حزب نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية. ويقول هؤلاء إن تلبية حفتر لدعوة قايد السبسي تأتي في سياق التغييرات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها تراجع نفوذ الإسلاميين في المنطقة الذي بدأ يلقي بظلاله على المشهد السياسي في تونس، حيث بدأ نفوذ حركة النهضة يتراجع وهو ما عكسه قبولها بالتعديل الوزاري الذي جاء متضاربا مع تطلعاتها. ووجهت السلطات التونسية مارس الماضي دعوة لخليفة حفتر لزيارة تونس، وذلك في إطار جهود الوساطة التي أعلنت عنها مطلع العام الجاري. ويقول متابعون إن حفتر تعمد طيلة الفترة الماضية تجاهل الدعوة، نظرا لتضارب المواقف بين الجانبين، إذ تؤكد تونس التي أطلقت مبادرة لحل الأزمة الليبية على ضرورة إيجاد حل سياسي، في حين يلوح حفتر بين الحين والآخر بالخيار العسكري. وقال المحلل السياسي الليبي عيسى عبدالقيوم إن تونس استنفدت محاولات تفاهمها مع تيار الإسلام السياسي وقد تتجه إلى تغييرات مهمة تبقيها كلاعب أساسي في حل الأزمة الليبية. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التقارب الجديد بين تونس وحفتر لن يكون بمعزل عن الأزمة التي عصفت بقطر وتحالفها الإسلامي، وهو ما ظهرت آثاره في ليبيا وفلسطين بوضوح. ويرى عبدالقيوم أن لقاء باريس بين حفتر والسراج سحب البساط من تحت دول الجوار وهو الأمر الذي أدركته تونس وتسعى لتداركه. وبلورت تونس فبراير الماضي مبادرة مشتركة مع الجزائر ومصر، في اجتماع لوزير خارجيتها خميس الجهيناوي مع نظيره المصري سامح شكري والوزير الجزائري المكلف بالشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية عبدالقادر مساهل. وتضمنت المبادرة مواصلة السعي الحثيث لتحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا دون إقصاء في إطار حوار ليبي، بمساعدة الدول الثلاث وبرعاية الأمم المتحدة، والتمسك بسيادة ليبيا ووحدتها الترابية، وبالحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة. وجدد السبسي عقب لقائه بخليفة حفتر تأكيده علىثوابت الموقف التونسي من الأزمة الليبية وتطرّق إلى مرتكزات وأهداف المبادرة التي أطلقتها تونس وانخرطت فيها الجزائر ومصر وحظيت بترحيب مختلف الأطراف الليبية وبدعم ومساندة من القوى الدولية.
مشاركة :