الدين ليس السبب الوحيد لاضطهاد الروهينجا

  • 9/20/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جيوسيبي فورينو*شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً في العنف ضدّ الروهينجا في «راكين» أفقر ولاية في ميانمار. وهنالك مدٌّ من المهجّرين الذين يبحثون عن ملجأ من الفظائع، ويفرّون سيراً على الأقدام وعلى قوارب إلى بنغلاديش. وهؤلاء هم أحدث موجة من المشردين. وعلى نطاق واسع، اعتبرت الخلافات الدينية والعرقية، السبب الرئيسي للاضطهاد. ولكن يصعب على المرء شيئاً فشيئاً أن يصدّق أنه لا توجد عوامل أخرى تؤثر على القضية، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أن ميانمار تضمّ 135 مجموعة عرقية معترفاً بها رسمياً (تم حذف الروهينجا من هذه القائمة عام 1982). وقد ركزت معظم وسائل الإعلام الغربية، في تحليلها للعنف الأخير، على دور الجيش وعلى شخص الزعيمة بحكم الواقع، «أونغ سان سو كيي». وكان وضعها باعتبارها حائزة على جائزة نوبل للسلام، موضع تساؤل على نطاق واسع، منذ ظهور الأدلة الأخيرة على الفظائع. ولكن تبقى ثمة قضايا لا يجري بحثها. فمن المهم النظر إلى ما وراء الخلافات الدينية والعرقية، واستجلاء الأسباب الجذرية الأخرى للاضطهاد، والضعف والتشريد. يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار المصالح السياسية والاقتصادية المكتسبة باعتبارها عوامل تسهم في الطرد القسري في ميانمار، لا للسكان الروهينجا فقط، بل للأقليات الأخرى مثل الكاشين، والشان والكارين والشين والمون. إن انتزاع ومصادرة الأراضي في ميانمار منتشران على نطاق واسع. وليس ذلك بالظاهرة الجديدة. منذ تسعينات القرن الماضي، تستمر المجالس العسكرية في انتزاع الأراضي من صغار المُلاّك في جميع أنحاء البلاد، من دون أي تعويض، وبغضّ النظر عن الانتماء العرقي أو الوضعية الدينية. ويجري اكتساب الأراضي لمشاريع «التنمية»، بما في ذلك توسيع القواعد العسكرية، والتنقيب عن الموارد الطبيعية واستخراجها، والمشاريع الزراعية الضخمة، والبنية التحتية والسياحة. وعلى سبيل المثال، قام الجيش في ولاية كاشين بمصادرة أكثر من 500 فدان من أراضي القرويين لدعم التنقيب الواسع عن الذهب. وقد شرّدت التنمية ألوف الناس قسرياً- داخلياً وعبر الحدود مع بنغلاديش، والهند وتايلاند- أو أرغمتهم على التوجه بحراً إلى إندونيسيا وماليزيا وأستراليا. في عام 2011، بدأت ميانمار إصلاحات اقتصادية وسياسية أدت إلى وصفها بأنها «حدود آسيا النهائية» مع انفتاحها للاستثمار الأجنبي. وبعد ذلك بوقت قصير، تصاعدت الهجمات العنيفة ضدّ الروهينجا في ولاية راكين، وإلى حدّ أقل ضدّ الكارين المسلمين. وفي الوقت ذاته، وضعت حكومة ميانمار عدة قوانين تتعلق بإدارة وتوزيع الأراضي الزراعية. وقد تعرضت هذه الخطوات لانتقادات شديدة، بسبب تعزيز قدرة الشركات الكبيرة على جني الأرباح من الاستيلاء على الأراضي. وعلى سبيل المثال، دخلت الشركات الزراعية المتعددة الجنسيات مثل شركة «بوسكو دايو» السوق بلهفة، وتعاقدت مع الحكومة. وتقع ميانمار بين دول تتطلع إلى مواردها منذ زمن طويل، مثل الصين والهند. فمنذ تسعينات القرن الماضي، تستغل الشركات الصينية الأخشاب، والأنهار والمعادن في ولاية شان في الشمال. وقد أدى ذلك إلى صراعات مسلحة بين النظام العسكري والجماعات المسلحة، بما في ذلك «منظمة استقلال كاشين» وحلفائها العرقيين في ولاية كاشين الشرقية، وولاية شان الشمالية. وفي ولاية راكين تشكل المصالح الصينية والهندية جزءاً من العلاقات الصينية الهندية الأوسع. وتدور هذه المصالح أساساً حول إنشاء البنية التحتية وخطوط الأنابيب في المنطقة. وتدعي هذه المشاريع أنها تضمن تشغيل العمالة، وتوفير رسوم عبور، وإيرادات نفطية وغازية لميانمار بأكملها. ومن بين مشاريع التنمية العديدة، خط أنابيب عبر الحدود بنته شركة البترول الوطنية الصينية، الذي يربط سيتْوي، عاصمة راكين، مع كونمينغ، في الصين، والذي بدأ العمليات في سبتمبر/ أيلول 2013. والجهود الأشمل لنقل نفط وغاز ميانمار من حقل «شوي» للغاز، إلى غوانغتشو في الصين، موثقة جيداً. وهنالك خط أنابيب موازٍ، لنقل النفط من الشرق الأوسط، من ميناء كياكفيو إلى الصين. وهنالك توترات محلية كبيرة تتعلق بالاستيلاء على الأراضي، وعدم كفاية التعويضات عن الأضرار، والتآكل البيئي، وتدفق العمالة الأجنبية بدلاً من زيادة فرص العمل للسكان المحليين. وفي الوقت ذاته، تم تمويل وإنشاء ميناء سيتوي في أعماق البحر، من قِبل الهند، كجزء من مشروع كالادان لنقل الترانزيت المتعدد الوسائط. والهدف هو ربط ولاية ميزورام الشمالية الشرقية في الهند، مع خليج البنغال. ومن الواضح أن مناطق ولاية راكين الساحلية، ذات أهمية استراتيجية لكل من الهند والصين. وبالتالي فإن حكومة ميانمار لها مصالح مكتسبة في تطهير الأرض من سكانها، لتعزيز نموّها الاقتصادي السريع بالفعل. ومعاملة الروهينجا في ولاية راكين، هي أبرز مثال على الإقصاء الأوسع نطاقاً، الذي يمارَس على الأقليات. وعندما يتم تهميش مجموعة ما وقمعها، يغدو من الصعب التخفيف من ضعفها وحماية حقوقها، بما في ذلك ممتلكاتها، وفي حالة الروهينجا، تبددت قدرتهم على حماية منازلهم، عندما تمّ إلغاء جنسيتهم البورمية. ومنذ أواخر سبعينات القرن الماضي، رحل نحو مليون من الروهينجا عن ميانمار، هرباً من الاضطهاد. ومن المأساوي، أنهم يُهمَّشون في كثير من الأحيان في الدول التي تستضيفهم. إن مأساة الروهينجا جزء من صورة أكبر، تشهد قمع وتشريد الأقليات في جميع أنحاء ميانمار وإلى الدول المجاورة. ولا يمكن إنكار أهمية وتعقيد القضايا الدينية والعرقية في ميانمار. ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل السياق السياسي والاقتصادي والأسباب الجذرية للتشريد، التي كثيراً ما لا يلحظها أحد.*مرشح للدكتوراه في إدارة الكوارث، جامعة نيوكاسل. موقع: «ذي كنفرسيشن»

مشاركة :