واشنطن – شاهر زكريا| اعتمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه الأول أمام الامم المتحدة، الثلاثاء، لهجة متشددة جدا، لكنه أظهر في الوقت نفسه مؤشرات على عقيدة يريد ترسيخها ويمكن أن تغير مكانة الولايات المتحدة في العالم. ووصف أحد المراقبين خطابه بـ «عاصفة تغريدات استمرت 42 دقيقة». ووصفها آخر بـ «خطاب محور الشر للرئيس جورج دبليو بوش مع منشطات». منا رأى كبار مستشاري ترامب الخطاب يتّسم بطابع «فلسفي عميق» يطلق إطارا فكريا لنظرة الرئيس للعالم. وقال دبلوماسي رفيع المستوى في الأمم المتحدة إنه كان هناك صدمة عندما هدد الرئيس ترامب بتدمير كوريا الشمالية، وقد تفاجئ المسؤولون الأممون بذلك، مضيفا: «هذه أول مرة يدعو فيها رئيس دولة لمحو دولة أخرى خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة». لكن في معظم جوانبه، فإن الخطاب الاول لترامب أمام الجدار الرخامي الاخضر كان كل ما يمكن توقعه من رجل الاعمال السابق المشاكس والخارج عن القواعد. وقطعا لم يكن أحد ليتوقع ذلك من الرؤساء الـ 44 السابقين للولايات المتحدة، واعتبر ذلك اسلوبا جديدا في القيادة الاميركية على الساحة الدولية. تصريحات ترامب – وخصوصا تلك التي وصف فيها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بأنه رجل الصواريخ في مهمة انتحارية – تلقّفها مؤيدوه في الداخل، لكنها تركت ذهولا لدى الحلفاء في العالم إزاء التغير الذي تشهده أكبر قوة في العالم. تغيير الجوهر وبعيدا عن لهجة التهديد، طالب ترامب بتغيير في الجوهر، موضحا انه يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء، وترك التطور الاخير للقواعد والمؤسسات الدولية في نصف القرن الماضي والعودة لأولوية الدولة القومية. واستخدم ترامب في خطابه كلمة «سيادة» أو «سيادية» 21 مرة، وهي لهجة تستخدمها في هذا العصر الصين للرد على انتقادات لإجراءاتها القمعية في الداخل، أو من قبل روسيا للاستخفاف بالتدخّل الاميركي في الشؤون الداخلية. ويقول معاونو ترامب إن دعوته لدولة قومية قوية ليس رفضا للتعددية بحد ذاته، بل رفض لعولمة تضعف إرادة الشعب. وترك ذلك شعورا جديدا لدى الحلفاء بأن «أميركا أولاً» ستعني أميركا وحدها. وذكر ترامب: «في أميركا لا نسعى إلى فرض أسلوب حياتنا على أحد، بل لجعله يشع كقدوة يراها الجميع». وبالنسبة للبيت الابيض، فإن الفكرة مفيدة لتحقيق توازن امام المنتقدين الذين يقولون ان ترامب لا يتمتع بثقل فكري، ولإرساء انطلاقة لبناء إرث أيديولوجي يمكن ان يستمر الى ما بعد رئاسة واحدة. لكن ذلك يعكس ايضا التأثير المستمر للافكار القومية داخل ادارة ترامب، حتى بعد رحيل مساعده المثير للجدل ستيف بانون. تناقضات عدة ويظهر الخطاب ايضا التأثير المستمر لمستشارين مثل ستيفن ميلر الذي لعب دورا كبيرا في صياغة الخطاب، ويبدو انه يسير على خطى بن رودس، مساعد الرئيس السابق باراك أوباما، والكاتب البارع لخطاباته القوية. وأشارت مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن – غير الميالة لامتداح ترامب – إلى العديد من التناقضات التي تضع علامة استفهام على تأسيس أي «عقيدة» متماسكة لترامب. وبينما يصر على ان اميركا لم تعد تبني الديموقراطيات، دعا ترامب إلى إحلال الديموقراطية في ايران وفنزويلا. وهاجم الاتفاق الذي يضع قيودا على برنامج ايران النووي، لكن البيت الابيض لم يعرض أي بديل واضح ممكن أكثر من تمديد فترته. فلسفة قديمة وفوق كل شيء، يتساءل منتقدو ترامب ما اذا كان في الإمكان إعادة عقارب الساعة الى فلسفات هيمنت على عالم أقل عولمة مطلع القرن العشرين. وحتى أقرب الشخصيات الى ترامب من وزير الدفاع جيمس ماتيس الى نائب الرئيس مايك بنس، عمدت الى التخفيف من حدة خطابه لكن من دون الذهاب الى حد التناقض معه. وحتى الآن، لا تتوافق أعمال ترامب مع اقواله. فقد انسحب من اتفاق التجارة بين دول المحيط الهادئ، لكن رغم الانتقادات لم يدخل قراره الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ حيز التنفيذ، كما لم يقم بعد بإلغاء الاتفاق النووي الموقع مع ايران. وقد يتغير هذا في الاشهر المقبلة، عندما يقوم فريق ترامب بترجمة خطابات كتلك في الامم المتحدة او وارسو والرياض، الى إستراتيجية رسمية للامن القومي.
مشاركة :