سلطان بن غافان: أهازيج رفيقي

  • 9/21/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: فدوى إبراهيمعاش وبنى نفسه بنفسه، في ظل ظروف صعبة أمضاها بين إعالة أسرته وتعليمه. استطاع الشاعر والباحث التراثي سلطان خلفان بن غافان بعد رحلة طويلة، أن يكمل تعليمه الجامعي ويتنقل في عمله حتى عاد ليعمل في المدرسة ذاتها التي درس فيها في طفولته. حياته المليئة بالقيم والقصص، يملؤها حب الأهازيج والعادات التراثية منذ الصغر.ولد سلطان خلفان بن غافان في إمارة أم القيوين في العام 1953، لأب يعمل في البحر، غواصاً وصياداً، فهو ابن بيئة بحرية، أباً عن جد، وهو ما دعاه إلى الانخراط في هذه البيئة في طفولته وتعلم منها أهازيج البحر ودوّن بعضها، حتى أصدر كتابه «الأهازيج البحرية». عن ذلك يقول: «البحر واسع وغنيّ، وهو ما جعل أهله يأخذون عنه الشجاعة والصبر والتغلب على تقلبات الحياة وغيرها، وما جذبني في مرحلة طفولتي، حيث كنت أرافق والدي والجيران إلى البحر هي تلك الحكايات الكثيرة التي يحكونها عن أهوال البحر ومتاعبهم فيه. وإلى جانب الأشعار والأهازيج الكثيرة في تلك الفترة، كنت أحاول أن أحفظ ما يقولون واستطعت تدوين بعضه، لكنني اليوم أندم أنني لم أدون كل شيء سمعته، لأن لذلك الإرث اليوم معنى كبير».رحلة علم وتحدٍفي رحلته التعليمية، الكثير من المصاعب، قابلها بالجد والتفاني للوصول إلى الهدف، فبدأ تعليمه في مدرسة الأمير بأم القيوين عام 1959 التابعة لدولة الكويت، وعاش برفقة زملاء الدراسة ذاتهم حتى الصف الرابع المتوسط حسب قوله. يقول: «كنت متعلقاً بالدراسة وكان كل من حولي يشجعني على الاستمرار، وأهل البحر كانوا دائماً يحثونني على أن أتميز في دراستي رغم أنهم غير متعلمين، لكنهم كانوا ذوي بصيرة ويعتقدون جيداً أن المستقبل لأصحاب التعليم. وفي عام 1963 كانت صدمتنا الكبيرة كأسرة بوفاة والدي وكنت ما زلت صغيراً، فما كان مني إلا أن أحل محله في العمل، فجمعت بين العمل في البحر والدراسة، لأنني الولد البكر، وحاولت كتابة أهازيج البحر، وبعد حين تلقيت التعليم في المعهد الإسلامي بعجمان سنة 1967».عن أبرز مصاعب طفولته يقول ابن غافان: «عشت في طفولتي مرحلة نضج، فلم يكن لدينا معيل بعد وفاة والدي، سوى عمل أمي البسيط في حياكة التلي، والذي لم يكن يكفينا، فعملت مع جارنا وذهبت إلى البحر في عمر 10 سنوات مما جعلني أكسب خبرة كبيرة في الحياة، وإلماماً كبيراً بشؤون لم أكن أعلمها لولا تلك الظروف، وبدأت حينها أسجل أهازيج وأشعار تلك المرحلة التي نفعتني فيما بعد حين ألفت كتابي (الأهازيج البحرية). سبق تلك الفترة مصاعب وهي فترة ركود سوق اللؤلؤ في حياة والدي، وهو ما دعاه للسفر إلى الدمام في السعودية؛ حيث كان الرجال يذهبون للعمل في مجالات العمالة المختلفة، ولم يبق في البيت إلّا أنا ووالدتي وأخي وأختي، وكانت الوالدة تتحمل مسؤوليتنا إلى جانب البيت والعمل، تلك المرحلتين أثّرتا في نفسيتي، فما كان أمامي إلا أن أسعد هذه الأم التي كانت مثالاً يُحتذى به، وواصلت العمل في البحر الذي كنت أجني منه ما يسد رمقنا ويكفينا كمعيشة».تمسك ابن غافان باستكمال تعليمه منذ الصغر، أمر يعود لعدة عوامل، منها رغبته الكبيرة في التعليم، والتشجيع الكبير الذي كان يتلقاه بحسب قوله، ويضيف: «أهل البحر ذوو رؤية بعيدة المدى وكانوا يعون أهمية التعليم لمستقبل أفضل، كما أن الرعيل الأول من المدرسين كانوا يشجعوننا دائماً ويقولون لنا سيأتيكم زمن لن تجدوا سلاحاً فيه أقوى من التعليم، وهؤلاء الرجال صدقت أقوالهم وأكن لهم كل حب وتقدير، فهم من أنار عقولنا وحثّنا على استكمال التعليم، بالإضافة إلى أن مسؤوليتي تجاه أسرتي دعتني إلى التفكير جدياً بما يدر دخلاً أكثر، وكان لا بد أن أطور نفسي لأصل لذلك الهدف».حياة جديدةاستكمل ابن غافان دراسته رغم ظروفه، وفي 1970 تسلم مهامه المهنية في الديوان الأميري في أم القيوين ككاتب. وحين بزوغ فجر الاتحاد، كان رئيس الديوان الشيخ الراحل سلطان بن أحمد المعلا بحسب ابن غافان، أسدى له نصيحة أن يعمل في وزارة الصحة بدبي ككاتب، ففيه أجر أفضل. يقول: «كان في ذلك فرصتي في أن أكمل تعليمي الثانوي في الدراسة المسائية، ثم راودتني فكرة التعليم الجامعي، وحينها يسّر لي الله تعالى أن أكمله في جامعة الإمارات تخصص خدمة اجتماعية، ولن أنسى في ذلك فضل مدير شعبة النقليات في الوزارة عبيد بن راشد الغيث، الذي ساعدني ببعثة دراسية للجامعة، لأتخرج بتقدير ممتاز في عام 1982».يستكمل ابن غافان رحلته المهنية قائلاً: «بعد تخرجي لم يكن تخصصي الدراسي يسمح بأن أعمل في وزارة الصحة، فنقلوا ملفي إلى وزارة التربية، وهنا اخترت أن أعود إلى حيث ولدت، في إمارة أم القيوين، لأعود من حيث بدأت، فعملت اختصاصياً اجتماعياً في المدرسة ذاتها التي شهدت طفولتي، وبعدها ارتقيت لأصبح وكيلاً للمدرسة، وبعد حين، انتقلت إلى المنطقة التعليمية لأعمل رئيساً لقسم الأنشطة والرعاية الطلابية، وبقيت في عملي ذاك حتى العام 2009 حين تقاعدي، وخلال تلك الفترة من العمل كان لي جولاتي الكثيرة وظهوري المتكرر في البرامج التراثية في إذاعات وتلفزيونات الدولة».بين الماضي والحاضريقول ابن غافان: «الحياة قديماً كانت تتسم بسمات البساطة والجيرة المتينة والعلاقات القوية، الأمر الذي يفتقده الناس اليوم، وعلى الرغم من ضعف الأحوال المعيشية والرزق البسيط وقتها، فإن الخير كان موجوداً ببركة ما هو متوفر، فكان سمك المالح يُخزن ويُوزع لمن يحتاجه من الجيران، وكانت البيوت مفتوحة على بعضها. أما اليوم فتباعدت البيوت ولم يعد الناس بذات الانفتاح على بعضهم». وبحسب ابن غافان فإن الخير اليوم يعم الجميع وهو ما يجب أن يحمدوا الله عليه، وبفضل جهود الحكومة الرشيدة فإنه لم يعد هناك من هو بحاجة، ومنذ أن قام الاتحاد، فإن الفرص والحياة أصبحت تتحسن حتى وصلنا إلى مرحلة نغبط عليها. ويضيف: «ما يجب التركيز عليه اليوم هو توعية أبناء الجيل الجديد لطبيعة حياة أجدادهم، ليس شكل الحياة فحسب، بل الكثير من الموروثات، ومنها اللهجة، فكثير من الكلمات التي ترد في أشعاري وما أقدمها في البرامج التراثية لا يفهمها أبناء الجيل الجديد. فحين أقول (الكوسي) فأقصد نوعاً من أنواع الرياح، و(خواهر) هو البحر الساكن، و البحر (خب) أي هائج، و(مصلل) تعني أن البحر مبيض، و(الدوك) أي خف هيجان البحر، ولذلك أتمنى أن تدخل وزارة التربية في مناهجها بعض الكلمات والمصطلحات القديمة ليعيها الجيل الحالي وإلا فستندثر».

مشاركة :