الزمان هو الواحدة فجر السبت، بعدما مضى نهار الجمعة الطويل، والمكان هو «ميدان رمسيس» في قلب القاهرة حيث يقع مسجد «الفتح» العريق، والناس كثر يخرجون كما يبدو الأمر لنا عبر شاشات التلفزيون. في المشهد الأول شاشة «دريم» ومقدمها وائل الإبراشي تنقل هذا اليوم الاستثنائي مع المراسل محمد بدر من أمام المسجد، حيث، كما هو واضح في الصورة، الأمن موجود حول مدخل الجامع يقيم حاجزاً بينه وبين بعض أهالي المنطقة الذين تجمعوا غاضبين بعدما تعرضوا لحوادث عنف من المتظاهرين الذين احتمى بعضهم ببيت الله بعدما أنهى ممارسة العنف طوال يوم الجمعة. وسرعان ما بدأت مفاوضات جديدة من نوعها عند المشاهد، كان طرفاها رجال البوليس وهؤلاء الموجودون داخل المسجد، بينما في أطراف الصورة من بعيد وقفت مدرعة جيش تحمي منطقة أصابتها أضرار جسيمة من أنصار «الإخوان»، وطلب الأمن خروج الناس إلى بيوتهم فرفض من تولى التفاوض وقال إنهم سيخرجون صباحاً، فعاد الأمن يطالبهم بإخراج النساء والأطفال من المكان فعاود هؤلاء الرفض... كل هذا على الهواء عبر «دريم» مع اقتراب مراسلها الشديد من مدخل المكان، لينتهي الوضع أو يتجمد بصراخ من الداخل مفاده أنهم لن يخرجوا إلا على جثثهم... فصمت الأمن، ودخلت قناة «الحوار». المشهد الثاني من قناة «الجزيرة» هذه المرة التي وصلت إلى داخل مسجد الفتح، ولكن عبر ما سمته «قناة الحوار» التي سمعنا عنها للمرة الأولى، فدخل مراسلها مع هؤلاء المتظاهرين «واتضح أيضاً أن لـ «الجزيرة» مراسلة أخرى فيها، وأن مهمة الاثنين هي نقل بث حي من داخل المسجد بأجهزة قناة «الحوار»، ولكن عبر «الجزيرة»، لكي يقول للمشاهد إن البلطجية يحاصرون الناس في الداخل ويهددونهم، وأن هذا هو مصير «أبناء الله» من أتباع «الإخوان»، وأنهم يبحثون عن «الشهادة». كانت الكرة وقتها قد انتقلت إلى ملعب المشاهد، فكيف يصدق الفعل ونقيضه في الوقت ذاته؟ وكيف يصدق ما يراه بعينه في قنوات «دريم» و«أون» و«النهار» من محاولة الأمن إخراج المعتصمين في المسجد خروجاً آمناً، ثم يصدق «الجزيرة» وهي تؤكد له أن الأمن هو جيش بلطجية وأن حياتهم مهددة، ثم لا يكف المتحدثون من الداخل عن الإلحاح بضرورة تدخل «المنظمات الدولية» في العالم لحمايتهم («أين هم؟»). وطوال الليل، حتى الثامنة من صباح السبت، كان علينا نحن المشاهدين أن نرى هذه الأعجوبة الجديدة أي عملية صناعة قصة وسيناريو درامي على الهواء من خلال مجموعة بشر اعتقدوا في لحظة أن بإمكانهم تضليل الملايين من خلال لقطات مهتزة وصور مجتزأة وكلمات ونص مهلهل لم يعد يصلح لمشاهد هذه الأيام الخبير في شؤون الإعلام المرئي، حتى لو لم يكن مسيساً، ومع ذلك، فقد كان هذا الحدث جديداً بكل المقاييس، ليس لاختلاف أسلوب السرد، وإنما لقدرته على الحلم بافتراض وقائع خيالية ودسها في الواقع.
مشاركة :