شهـــر الله المحـــرم وصيـــام عاشـــوراء

  • 9/22/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إنَّ من نِعم الله تعالى على عباده أن يوالي مواسم الخيرات عليهم؛ ليوفِّيهم أجورَهم ويزيدهم من فضله، فإنَّ هذه المواسم تتضاعف فيها الحسنات، وتُكفَّر فيها السيئات، وتُرفع فيها الدَّرجات، فما أن انقضى موسمُ الحجِّ المبارَك، إلا تبعه شهرٌ كريم، هو شهر الله المحرَّم، فلعلَّنا في هذا المقال الشرعي نبيِّن شيئًا من فضائله وأحكامه.أولاً: شهر الله المحرم: 1. شهر الله المحرم هو أول شهور السَّنة الهجرية، وحريٌّ بالمؤمن أن يستقبل العامَ الهجريَّ الجديد بطاعة الله تبارك وتعالى والانصياعِ لأوامره، وأن يقدِّم الإنسان لنفسه توبة نصوحًا ورجعةً صادقة، يَغسل بها ما مضى، ويَستقبل بها ما أتى، قال تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور: 31)، وقال تعالى أيضًا: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(طه: 82). 2. شهر الله المحرَّم هو أحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (التوبة: 36). قال ابن عباس في قوله تعالى: «فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ» (التوبة: 36)؛ أي: في كلهنَّ، ثمَّ اختصَّ من ذلك أربعة أشهر؛ (محرم، رجب، ذو القعدة، ذو الحجة)، فجعلهنَّ حرامًا وعظَّم حرماتهنَّ، وجعل الذنب فيهنَّ أعظم، والعمل الصَّالح والأجر أعظم. وقال قتادة في ذلك: «إنَّ الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووِزرًا من الظُّلم فيما سواها». 3. ما يدلِّل على فضل شهر الله المحرَّم ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل». 4. الصيد في الأشهر الحرم لغير المحرِم بحجٍّ أو عمرة، وفي غير حدود الحرم (مكة والمدينة): جائز شرعًا، ولا بأس فيه.ثانيًا: صيام عاشوراء: 1. تعريف يوم عاشوراء: يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرَّم، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: إنَّ يوم عاشوراء أُطلق عليه هذا الاسم؛ لأنَّه اليوم العاشر، كما سمِّي التاسع: تاسوعاء. 2. فضل صيام عاشوراء: روى أبو قتادة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنةَ التي قبله»؛ (أخرجه مسلم والترمذي)، وهذا من فضل الله علينا أن جعل صيام يومٍ واحد يكفِّر ذنوبَ سنة كاملة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيامَ يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم؛ يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان»؛ (رواه البخاري)، (ومعنى يتحرَّى؛ أي: يترقَّب ويتهيَّأ لصومه؛ لتحصيل ثوابه والرَّغبة فيه). 3. حكم صيام عاشوراء: حكم صيام يوم عاشوراء مستحبٌّ، ولكن يَجدر بالمسلم أن يحرص على صيام عاشوراء؛ لِما فيه من الأجر العظيم؛ فصيام يوم واحد يُكفِّر ذنوبَ سنة كاملة، فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصومون عاشوراء ويُصوِّمون أطفالَهم الصِّغار، فعن الرُّبَيِّعِ بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: «من كان أصبح صائمًا فليتمَّ صومَه، ومن كان مفطرًا فليتم بقيَّة يومه»، فكنَّا بعد ذلك نَصُومه، ونُصوِّمه صبياننا الصِّغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبةَ من العِهن، فإذا بكى أحدُهم أعطيناها إياه، حتى يكون الإفطار»، وفي رواية: «فإذا سألونا الطعامَ، أعطيناهم اللعبةَ تلهيهم؛ حتى يتمُّوا صومَهم»؛ (رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم). 4. الحكمة من صيام عاشوراء: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قَدِم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصومُ يوم عاشُوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحقُّ بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه. (رواه البخاري). وفي رواية للإمام أحمد عن أبي هريرة نحوه، وزاد فيه: «وهو اليوم الذي استوَت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا». 5. استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء: روى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: «حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشُوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنَّه يومٌ تُعظِّمه اليهودُ والنصارى، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العامُ المُقبِل إن شاء الله صُمنا اليومَ التاسع»، قال: فلم يَأت العامُ المُقبِل حتى تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم»؛ (رواه مسلم)، وروى مسلم أيضًا من وجهٍ آخر عن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع»، فمات قبل ذلك. 6. مراتب صوم عاشوراء: ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد، وابن حجر في كتابه فتح الباري أنَّ صيام عاشوراء ثلاث مراتب: أ. صوم التاسع والعاشر والحادي عشر؛ وهذا أكملها. ب. صوم التاسع والعاشر؛ وعليه أكثر الأحاديث. ج. صوم العاشر وحده. 7. الحذر من الاغترار بثواب الصيام: يغترُّ بعض النَّاس بصيامه ليوم عرفة أو يوم عاشوراء، فيقول: إنَّ ذنوب العام الماضي تكفَّر بصيام عاشوراء، ويوم عرفة يكفِّر ذنوب العام الماضي والعام القادم، فيُسرِف في المعاصي ولا يَغتنم وقتَه في الطاعة، وهذا أمرٌ ينبغي الحذر منه، فالمسلم الذي يحرص على أعلى درَجات الجنَّة هو الذي يجتهد في طاعة الله في كلِّ وقتٍ وحين، ثمَّ إنَّه مَن يضمن للمغترِّ أن يكون الله تعالى قد تقبَّل منه عملَه وصيامه، فعلامة قبول الطاعة أن تتلوها طاعةٌ أخرى، فمن قصَّر واغترَّ بصيامه، فليستغفر اللهَ وليجتهد في طاعة الله تعالى، وليدعُ اللهَ أن يتقبَّل منه عملَه، فإنَّما يتقبَّل الله من المتقين.

مشاركة :