في أحد الأيام، كنت في أحد المطارات وبينما أنا أنتظر الرحلة أخذتُ أتفرج على المارة وأشاطر الحديث مع من هم بجانبي ممتلئة صالة الانتظار بالرجال والنساء، وبينما أنا جالسة إذ بإحدى النساء تدخل إلى الصالة وهي ترتدي عباءة ضيقه جدا ونقابا واسعا أظهر العينين وتمشي بكل جراءة وعَجل، ولم تُلقِ بالا لحضور الرجال ولم تُلقِ بالا لتلك الأعين التي أبصرت فحملت أوزارها.. حينها ثارت غيرتي وطأطأتُ رأسي حياء وخجلا. أمر جلل.. أمر عظيم يهتز له القلب ويندى له الجبين. ولكن الأعظم من ذلك أنها كانت تحمل على عاتقها طفلها.. نعم، إنها (أم) وعظم الله أجرنا في جيل سيتربى على يدها هداها الله. أدركتُ حينها معنى الحياء وتذكرتُ قوله تعالى: ((فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى استحيَاءٍ)) [القصص: 25]. وأخذتُ أفكر كيف كان الحياء في زمن الحبيب صلى الله عليه وسلم وكيف أصبح في زمننا شتان والله بين الصحابيات اللاتي يلتصقن بالجدار من شدة حيائهن من الرجال و(بعض) فتيات اليوم اللاتي يخاطبن الرجال من دون حاجة وبصوت عال وربما بتغنُّج ودلالٍ! وتناسيْن قول الله عز وجل: ((فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)) [سورة الأحزاب: 32]. أمرٌ رباني وآية كريمة يجهلها (بعض) النساء. فليتنا والله ندرك معناها ونطبق ما حوته ونستجيب لأمر ربنا. وما زاد الجرح نزفا وما زاد الألم أنينا (مواقع التواصل الاجتماعي)، التي سهلت التواصل مع أفراد المجتمع كافة وجمعت بين الرجال والنساء في نطاق واسع؛ ففيها انتزع أجمل رداء وهو الحياء من (بعض) النساء؛ تأتيك إحداهن في (منشن) أحدهم وتسأله عن الحال، والأخرى تُبدي له الإعجاب وترسم فيه الآمال، والثالثة تكتب له أجمل الكلمات وتصور حبها له في أبيات، والرابعة تُصبّحه بهمسات وتتبادل معه الضحكات، وكأن لا ربَّ يرانا ولا دينَ يقودنا ولا حياء زُرعَ فينا ولا نارَ تَرْدَعُنا! وتناسين قوله عز وجل: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق: 18]. تلك الكلمات التي كُتبت من أجل فلان.. وتلك الأشعار التي نُظمت من أجل عين فلان.. وتلك التصاميم التي صُمِّمت من أجل حب فلان.. ستُسألين والله عنها عندما توضعين في قبرك.. فراجعي حساباتك وتخلّقي بخُلق الحياء؛ فهو شعبة من شعب الإيمان وما يزيدك إلا عزة وفخرا وجمالا على جمالك. فلا والله مافي العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ وصور العرض التي تُدمي فؤاد كل شخصٍ غيور على دينه صور فنانات ومغنيات، وربما شفايف وقبلات ويد بالحِناء والإكسسوارات، وربما صور لاعبها المفضل أو إعلاميها الوسيم أو أشخاص أُعجبت بهم، تضعها فتحمل وزرها ووزر من نظر إليها ووزر من حفظها ووزر من نشرها ووزر من فُتن بها؛ فقد قال الله عز وجل: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أُخْرَى)) [سورة الإسراء: 15]. ذنوبٌ جارية عياذا بالله إلى أن يشاء الله، وكل ذلك من أجل ماذا؟! من أجل أن يقال عنها إذا وضعت صورة فنانة، إنها تشبهها ونسيت أنها أجمل منها بحيائها.. (فاستحي). من أجل أن يقال عنها إذا وضعت صورة يدها وطلاء أظافرها، إنها في منتهى الرقه والنعومة ونسيت أنها عورة وما تزداد في نظرهم إذا تجردت من حيائها إلا قبحا.. (فاستحي). من أجل أن يقال عنها إذا وضعت صورة فلان، إنها معجبة به أو إنه فارس أحلامها أو إنها من جمهوره ونسيت قول الإمام الشافعي: من تعلق بغير الله أذاقه الله مرارة التعلُّق.. (فاستحي). فليتنا والله نضع نصب أعيننا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير». هذه كلماتي لكِ فضعِيها بالاهتمام واجعلي الحياء لكِ عنوانا.. وسيبقى تساؤلي لكِ في الختام: هل انتهى زمن الحياء، حتى نخاطب الرجال، كأن لا دين لنا، وكأننا لــسنا نــساء.. فهل انتهى زمن الحياء؟! رابط الخبر بصحيفة الوئام: «هل انتهى زمنُ الحياء»
مشاركة :