لا يبدو أن الخبث الدولي يكفي هذه الأيام لتمرير ما اعتقد بارزاني أنه زمن مؤاتٍ لتمرير مسألة استقلال إقليمه. وبينما تمتع الرجل كثيراً بتناقض وخلافات الدول حوله لحفظ رأسه وحماية إقليمه والقفز نحو إستقلاله، فإن رجل كردستان القوي، ورغم مراسه وتجربته وحنكته، حقق، من حيث يدري أو لا يدري وحدة حال ومصالح نادرة وضعت نظام أنقرة وطهران ودمشق وبغداد، حتى بمعارضيهم، في خندق واحد تصدياً لمناورة التفافية أرادها بارزاني أن تمر من وراء ظهر الجميع في موسم البراكين المزدهرة هذه الأيام. وربما أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل صبّ العالم أجمع جهوده العسكرية المعقّدة للقضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق من أجل قيام دولتي الأكراد في سوريا والعراق. وهل يسمح المستثمرون في هذه الحرب "الكونية" الكبرى ضد الإرهاب أن يحصدها بارزاني ببساطة وسهولة لصالح أحلام إقليمه وطموحاته الشخصية داخل هذا الإقليم؟ وهل يستطيع العالم رعاية قيام دولة الأكراد في المنطقة في وقت تتقدم به خرائط الإعمار في سوريا والعراق على خرائط العسكر وأولوياتهم؟ قد لا ندعي إدراكنا للإجوبة، لكن ما يمكن الجزم به أن إنخراط العالم في ورشة اقتصادية إعمارية تاريخية في منطقتتا لا تتحمل وزر الصدام مع إرادات دول هذه المنطقة. يعرف بارزاني أن تركيا وإيران والعراق لن يسمحوا، ولو بالقوة وبالحرب الكبرى، قيام دولته الكردية المستقلة. لن تسمح هذه الدول بشيوع العدوى باتجاه أكراد إيران وتركيا، بما يشجع قيام كيانات أخرى تتجاوز المكوّن الكردي أيضاً. ويعرف الرجل أن لا حياة لكيان تحاصره دول لا تريده أن يكون كياناً آخر في خارطة المنطقة. سيكون على الرجل استثمار أقصى ما تحمله الساعات المقبلة لقطف أقصى ما تطاله يده من بغداد وأنقرة وطهران وعواصم أخرى. وأيا كانت مآلات ذلك الاستفتاء سواء جرى أو لم يجر، فسيطوي بارزاني ملف الاستقلال ويعيده إلى خزائن داخلية بانتظار مواسم أخرى قد لا تكون قريبة وعاجلة. في هذا الزمن لا تمتلك المنطقة قيام دول على النحو الحضاري الذي قامت به دولتا التشيك وسوفاكيا عام 1993. وفي هذا الزمن لا تمتلك المنطقة قيام دول حتى بالنسخة التي أنتجتها حرب يوغسلافيا المدمرة، ذلك أن أمصالا مضادة، عززها موقف بارزاني، ما زالت ناجعة، وحتى إشعر آخر، في منع تحقيق طموح كردي أهملت "سايكس-بيكو" تحقيقة في بدايات القرن الماضي. محمد قواص صحافي وكاتب سياسي
مشاركة :