الأزمة الاقتصادية الخانقة تحاصر خيارات استفتاء إقليم كردستان تشير البيانات وتقارير المؤسسات الدولية إلى أن إقليم كردستان العراق يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، وأن تلك الأزمة تحاصر خيارات أربيل السياسية سواء تم إجراء الاستفتاء الاثنين المقبل أم تم تأجيله.العرب [نُشر في 2017/09/22، العدد: 10759، ص(11)]الاستفتاء مفترق طريق محفوف بالمخاطر بغداد - تلقي الأزمة الاقتصادية الخانقة بظلال ثقيلة على تحركات حكومة إقليم كردستان الذي يقترب من محكة حاسمة حيث يعتزم إجراء استفتاء في 25 سبتمبر على استقلال الإقليم، الذي يكاد يكون منفصلا عن الحكومة المركزية العراقية. ويرى محللون أن حكومة الإقليم غارقة في الديون وهي تحاول الهروب إلى الأمام من خلال الاستفتاء، الذي يمكن أن يفاقم الأزمة الاقتصادية، خصوصا أنه يتعلق بقرارات مصيرية قد تفجر العلاقة من جميع الأطراف المجاورة. ويؤكد تقرير صدر مؤخرا عن البنك الدولي أن “الصدمة شديدة. حكومة الإقليم تواجه انخفاضا في الإيرادات، الأمر الذي أدى إلى تأجيل الاستثمارات وتأخير في المدفوعات، خصوصا بالنسبة إلى رواتب الموظفين الحكوميين واللجوء إلى الاقتراض عبر شركات خاصة محلية وأجنبية ومصارف خارجية”.فتحي المدرس: الأزمة المالية حدثت لأن كردستان اعتمدت على النفط كمصدر رئيسي للدخل وأكد التقرير أن “الأزمة المالية لها تأثير سلبي كبير على النمو الاقتصادي” الذي يتمتع بحكم ذاتي واسع وفقا للدستور العراقي الذي أقر عام 2005. وتمكن إقليم كردستان بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، من استقطاب المستثمرين كونه منطقة مستقرة أمنيا في بلد يعيش فوضى شاملة منذ الغزو الأميركي للعراق. وتحولت مدينة أربيل التي كانت شبه منسية في عهد النظام السباق إلى مدينة مزدهرة، ارتفعت فيها مبان وفنادق حديثة ومراكز تجارية، واستقبلت رجال أعمال أجانب يخططون للقيام بأعمال تجارية واسعة في الإقليم. لكن هذا التطور الاقتصادي السريع بدأ ينهار مع انخفاض أسعار النفط عام 2014 وهجوم تنظيم داعش منتصف ذلك العام. وقد تدفق نتيجة ذلك أكثر من مليون لاجئ إلى الإقليم، إضافة إلى الخلاف مع حكومة بغداد التي قررت إيقاف دفع حصة الإقليم البالغة 17 بالمئة من موازنة البلاد (14 مليار دولار) إلى سلطات الإقليم. وبـدا تأثيـر هـذا الإجـراء واضحـا وبشكـل سريـع، كـون مساهمـة بغـداد تمثـل 80 بالمئـة مـن مـوارد مـوازنـة الإقليـم، والأمـر نفسه في مـا يتعلـق بـرواتب قـوات البيشمـركة الكـردية. وأشارت دراسة للبنك الدولي في عام 2015 إلى أن عجز الميزانية وتدفق النازحين كان لهما أثر سلبي على اقتصاد الإقليم، وأدّى إلى “انخفاض قدره 5 بالمئة في نسبة النمو الاقتصادي بين عامي 2013 و2014، وارتفاع معدل الفقر إلى 8.1 بالمئة في الفترة نفسها بعد أن كان يبلغ نحو 3.5 بالمئة”. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مصدر بارز في حكومة أربيل تأكيده انخفاض أجور الموظفين الحكوميين منذ نهاية عام 2015 بنسبة تصل إلى 60 بالمئة. وأضاف المصدر أن الأسوأ من ذلك أن الأمر وصل إلى عدم دفع رواتب موظفي الإقليم، الذين يبلغ عددهم نحو 1.2 مليون شخص خلال الشهرين الماضيين. وتنتج حقول إقليم كردستان النفطية نحو 600 ألف برميل يوميا ويجري تصدير ما يصل إلى 550 ألف برميل منها يوميا عبر ميناء جيهان التركي على ساحل البحر المتوسط عبر أنبوب خاص بالإقليم.ربى حصري: الأزمة أسوأ مما تدعيه أربيل خزائن كردستان فارغة والإقليم ممزق بالديون ويشمل هذا الإنتاج نحو 250 ألف برميل يوميا من حقول محافظة كركوك التي سيطر عليها الأكراد تزامنا مع هجمات تنظيم داعش في منتصف عام 2014. ويرى فتحي المدرس المستشار في حكومة إقليم كردستان أن “الأزمة المالية حدثت لأن كردستان اعتمدت على النفط كمصدر رئيسي للدخل. وبعد عامين من الأزمة تبنت حكومة الإقليم سياسة تقشف وتنويع المصادر خصوصا من خلال السياحة والصناعة والزراعة”. وتقول الخبيرة في شؤون النفط العراقي ربى حصري إن الأزمة أكثر سوءا مما تدعيه حكومة كردستان، موضحة أن “خزائن كردستان فارغة والإقليم ممزق بالديون”. وباع إقليم كردستان نفطه مقابل أموال دفعت مقدما من شركات مثل فيتول وترافيغورا وغلينكور وبيتراكو، التي ستحصل على نفط مقابل الديون. واقترض الإقليم أكثر من ثلاثة مليارات دولار من هذه الشركات، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، يتم تسديدها عبر براميل نفط كل شهر. وحصل الإقليم مؤخرا على مبلغ مليار دولار من شركة روسنفت الروسية بهدف دفع تعويضات لتحالف بيرل بتروليوم، الذي تقوده شركتان إماراتيتان في نزاع مع كردستان. وستتم إعادة المبلغ إلى شركة روسنفت من براميل النفط. وفيما يتواصل تراكم الديون ويستمر انخفاض سعر النفط، يجد الإقليم نفسه غير قادر على الدفع للمستثمرين الذين يطورون حقولا نفطية مثل مجموعة “دي.أن.أو” النرويجية وجينيل انرجي الإنكليزية التركية. وتشير حصري إلى “توصل حكومة كردستان إلى اتفاق جديد أبرمته في أغسطس الماضي مع المستثمرين لزيادة أرباحهم وتوسيع الحقول مقابل إلغاء ديون”. وترى الخبيـرة النفطية أن “الاستفتاء الذي ينظمه رئيس كردستان مسعود البارزاني يمثل هربـا إلى الأمـام من أجل البقاء في السلطة فيما الوضع الاقتصادي كارثي”. وتضيف أن “التصويت لمصلحة الاستقلال سيتسبب بمعارك على جبهات عدة، لا سيما في المناطق المتنازع عليها، الأمر الذي سيخدمه للبقاء في السلطة”.
مشاركة :