خيري منصورما من كاتب مذكرات يقول كل ما لديه حتى أكثر المذكرات شهرة في التاريخ كمذكرات جان جاك روسو، والقديس أوغسطين، فالإنسان بالفطرة يخفي ويظهر جوانب من شخصيته والأحداث التي مرت به، ما يؤكد ذاته، ويسترضي نرجسيته، وما كتبه عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية ليس عن عبدالناصر فقط؛ بل هي مذكرات تغطي فترة زمنية شهد موسى عليها بطريقته، ومن خلال تدرجه في مناصب دبلوماسية عديدة، لكن السجال الذي أثاره الكتاب فور صدوره كان حول الزعيم عبدالناصر، سواء من خلال وصفه بالتفرد في الحكم أو ما كان يتناوله من طعام سويسري كان عمرو موسى يرسله إليه بصفته موظفاً في السفارة المصرية!إن الانصراف إلى صغائر الأمور والتفاصيل بعيداً عن القضايا الجدية هو سمة ثقافة تأسست على النميمة والاستهلاك. إذ لا يمكن اختصار زعيم كعبدالناصر في مثل هذه الصغائر، فهو لم يكن رئيس جمهورية بقدر ما كان زعيماً قومياً قاد لفترة من الزمن مصر وسوريا من خلال وحدة قصيرة العمر.فهل يضير عبدالناصر مثلاً أن ساعة يده صنعت في سويسرا، وهل يضير أي مثقف قومي أنه يتعاطى مضادات حيوية لعلاج مرضه مصنوعة في باريس أو لندن أو نيويورك أو جنيف؟هل كان على عبدالناصر أن يستخدم ساعة يد مصنوعة يدوياً في أحد الأحياء الشعبية في مصر أو السودان؟ وهل الطعام الذي كان يرسل إليه من سويسرا نوعاً نادراً وباهظ الثمن من الكافيار وعسل الملكات أم هو طعام يشبه الدواء؛ لأن الرجل كان مريضاً بالسكري والضغط وبأحلام الوحدة العربية التي لم تتحقق في حياته ولا بعد مماته؟ليس دفاعاً عن زعيم رحل بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس لما يقارب العشرين عاماً، فالرجل له ما له وعليه ما عليه، وإن كان قد أعطى نموذجاً للنقد الذاتي حين اعترف بالهزيمة وقبل أن يتحمل نتائجها وقرر التنحي!ويبدو أن لكل كاتب أو سياسي عربي «ناصره» الذي يراه من زاويته الشخصية، لهذا فعبدالناصر متعدد، كما أن تشرتشل متعدد، وكذلك بسمارك وستالين وديغول.ما لم يقله عمرو موسى هو لماذا صمت سبعة وخمسين عاماً؟
مشاركة :