تغرق أبوظبي ببطء في اليمن، بعد أن استفردت بالأرض هناك، محيدة قوى التحالف العربي، بعد أن كالت الاتهامات لقطر، حتى انسحبت من التحالف، وهمشت الدور السعودي، وعمدت إلى تقوية أجهزتها الاستخباراتية العاملة في اليمن، ليس لمواجهة قوى الانقلاب، بل لحكم المدنيين بالحديد والنار، ووفقاً لهذه الرؤية توسعت في بناء السجون على الأراضي اليمنية، فأصبحت بذلك الفعل قوة احتلال تحكم بأجهزتها الأمنية. رغم انفراد أبوظبي بالقرار وسط الأراضي، التي تديرها قوى التحالف العربي في اليمن، فإنها عاجزة عن تحقيق أي نصر عسكري يعطيها مشروعية للاستمرار في البقاء هناك، ولأن الهزيمة قد تطاول عهدها، فلا بد من البحث عن جهة تعلق عليها هذه الخسائر المستمرة، وليس هنالك أقرب من قطر الشقيقة التي قاتلت معهم على خط النار. وعقب خروج قطر من اليمن مضت أبوظبي تنسج الأكاذيب وترددها بصورة يومية، آملة أن يصدقها الناس لفرط ترديدها، فقد ذكرت صحيفة الاتحاد مؤخراً أن «في صبيحة 4 سبتمبر 2015 بمحافظة مأرب شمال اليمن تعرضت قوات التحالف العربي لهجوم دقيق بصاروخ أطلقته الميليشيات الانقلابية على قاعدة عسكرية، وأسفر عن استشهاد قرابة 100 جندي من قوات التحالف والجيش الوطني اليمني، معظمهم من القوات الإماراتية. وفي 14 ديسمبر 2015 استشهد الضابط السعودي عبدالله السهيان، والضابط الإماراتي سلطان الكتبي، إثر استهدافهما بصاروخ وهما يؤديان واجبهما في متابعة سير عمليات تحرير تعز». وأضافت الاتحاد «هذه الحوادث ستظل ذكرى خالدة لدى دول التحالف العربي المشاركة في دعم ونصرة الأشقاء في اليمن، كون الضربات تمثل طعنات غادرة من الخلف، خصوصاً أن دقة الهجمات والاستهدافات كشفت عن أياد خبيثة كانت وراءها، على الرغم من أن الحوادث لم تؤثر على عزيمة قوات التحالف، خصوصاً القوات الإماراتية في استكمال تحرير اليمن، وإفشال مخطط إيران في المنطقة، إلا أن الوقائع ستظل شاهدة على خيانة لا تغتفر». ما سبق من سطور يشي بأن هناك خيانة من الخلف.. لكن الصحيفة لم تترك الأمور مبهمة، وإنما مضت في سياق مزاعمها الواهية ضد قطر منذ بدء الحصار، إلى القول إن عدداً من المراقبين اليمنيين وجهوا اتهاماً مباشراً إلى دولة قطر بالوقوف وراء الاستهداف في مأرب واستهدافات أخرى في محافظات يمنية أخرى جرى تحريرها لاحقاً، مؤكدين أن الدور السلبي والخبيث الذي لعبته قطر عبر أذرعتها في الداخل يؤكد حقيقة هذه الاتهامات. لم تذكر الصحيفة صراحة أسماء هؤلاء الخبراء، كالعادة، لأن الأكاذيب دائماً لا تقف على قدمين ثابتتين، واعتماداً على هذا الأسلوب المتداعي واصلت الصحيفة، نقلاً عن هؤلاء الخبراء المزعومين قائلة «إن قطر كانت لها أهدافاً مشبوهة في اليمن منذ اليوم الأول لمشاركتها المحدودة والبسيطة في التحالف العربي، وأنها استغلت غطاء دعم الشرعية اليمنية والتصدي للمشروع الانقلابي والمخطط الإيراني في المنطقة، كورقة من أجل تنفيذ أجندة تستهدف بدرجة أساسية عرقلة التحالف والشرعية عن أداء مهامهما». ومن الأسئلة المشروعة التي تثور، وفقاً للمداد الذي أسالته صحيفة الاتحاد، لماذا لم تحسم أبوظبي المعركة بعد خروج قطر من التحالف؟ ومن الذي يعطي الحوثيين الإحداثيات في هذه الأيام؟ لو كانت الأجهزة الاستخباراتية لأبوظبي تتعامل مع المعركة العسكرية بنفس كفاءة تعاملها مع المدنيين العزل الذين زجت بهم في سجونها، لأخذت هذا الخيط ولرجحت فرضية وجود اختراق وسط قواتها، ولكنها تبحث عن الحلول السهلة بترويج الأكاذيب، عبر أجهزتها الإعلامية التي تبيع الأوهام بقرب انتصار قواتها. وعلى النهج ذاته، واصلت صحيفة الاتحاد في موضوع آخر، قائلة «إن عدة مصادر يمنية أكدت أن الدوحة قدمت تمويلاً ضخماً للانقلابيين في صنعاء، للاحتفال بذكرى الاجتياح الحوثي والسيطرة على صنعاء، في تصرف أكد خبراء ومراقبون يمنيون على أنه يعني مواصلة قطر دعمها المتواصل للجماعات الإرهابية والطائفية في البلاد». وأكدت المصادر -المزعومة بالطبع- لـ «الاتحاد» «أن الدعم القطري المقدم للانقلابيين تهدف من خلاله الدوحة لتوحيد طرفي الانقلاب اللذين دخلا في خصومه وصلت إلى حد الاشتباكات والقتل». وكشفت المصادر -حسب الصحيفة- أن الدعم المالي القطري للانقلابيين يتبعه دعم إعلامي، من خلال تركيز كل وسائل إعلام الدوحة على الاحتفالات التي يعتزم الانقلابيون توظيفها ضد الشرعية والتحالف العربي. ويؤكد خبراء يمنيون، بحسب الاتحاد، أن مواصلة قطر تقديم الدعم للحوثيين والجماعات المسلحة دليل على مواصلة تمردها على جيرانها. وقد أبرمت قطر صفقة ضمنت بموجبها وقف تقدم الجيش اليمني نحو منطقة مطرة الجبلية، آخر معاقل المتمردين شمال محافظة صعدة، والتي كان يتواجد فيها زعيم الحوثيين حالياً عبدالملك الحوثي، مقابل أن يقيم شقيق مؤسس حركة الحوثيين يحيى ووالده بدر الدين الحوثي وعمه عبدالكريم مؤقتاً في الدوحة، وأن تتولى قطر دفع مساعدات وتعويضات وإعادة الإعمار. ما سبق جزء من حديث تصدره أبوظبي عبر لسان حالها «الاتحاد» لا تسنده أي دلائل، وهو مثل كل الاتهامات المرسلة التي درجت على إطلاقها أبوظبي، عبر أجهزتها الإعلامية الرسمية والحليفة، إضافة إلى بعض الأجهزة الإعلامية التي تفتح صدرها للإيجار بالقطعة، وفقاً لاتفاقات مالية محددة، فأبوظبي لم ترض بوجود قطر في التحالف، ولم تترك قطر وشأنها عقب سحبها قواتها. فهي حاضرة باستمرار في الخطاب الإعلامي، بوصفها المسؤولة عن الإخفاقات المستمرة والأداء القتالي الباهت لقوات أبوظبي في اليمن، وبدلاً من أن تعترف أبوظبي بالفشل العسكري، وتجنح لحلول أخرى، مثل الحل السياسي، تظل متخندقة في موقفها، في ظل أوضاع متفاقمة. وعندما تقول أبوظبي إن قطر هي التي تقدم الدعم المالي الآن للحوثيين، فإنها تهزم خطابها الذي ظلت تروّج له بأنه بمجرد خروج قطر من التحالف العربي، فإن القوات كفيلة بسحق الحوثيين، فالسؤال لماذا توجد قوات حوثية حتى الآن، بغض النظر عن الجهات التي تدعمها؟ ولماذا لم تسحقها القوات الإماراتية الباسلة التي لوحت بذلك عقب خروج قطر من جيش التحالف العربي؟;
مشاركة :