رحل مجاهد كل العصور مهدى عاكف وفى مشهد أعاد للأذهان أربعينيات القرن الماضى حينما دُفن الإمام الشهيد حسن البنا بالطريقة نفسها ، لا أحد سوى الأبناء و بضع من الأهل و فى حراسة مشددة خشى الطغاةُ جثمان الشهيد حياً و ميّتا حتى انتقل من محكمة الجور الدنيوية الى محكمة العدل الإلهية حيث القاضى هو العدل الذى لا يُظلم عنده أحد ، أُخلى سبيله الى جوار المولى العدل العزيز ... بهذه الكلمات أرثى آخر من رحل من الرعيل الأول لجماعة الإخوان و أكبر أعضائها سنّا ، فتّ موت المجاهد الأسير فى عضد الكثيرين و إذ انتشر غضب الكثيرين و بات جليّا على صفحات التواصل الإجتمعاى لكنه بقى حبيسا لتلك الصفحات و لم ينتج عنه أى فعل مجتمعى و هذه نتيجة متوقعة للقمع المتزايد الذى تعيشه البلاد منذ يوليو 2013 لم يُحدث موت المجاهد ضجة ثورية إلا فى أوساط مواقع التواصل الإجتماعى التى باتت المتنفس الوحيد للإسلاميين بعدما أُغلقت كل الوسائل الأخرى، فأصبح التظاهر غير مجديا و بات النضال الطلابى يُحدث ضررا أكثر مما يحدث نفعا فخفت صوت الجامعات و كذلك الأمر بالنسبة للعمل الثورى كله لا جديد سوى التقهقر كل يوم للوراء فى ظل ازدياد سلطوية النظام المصرى الحالى و بطشه من خلال حملات الإعتقال و القتل خارج إطار القانون و الإخفاء القسرى و الأحكام التى لا يوقفها أحد ،لكنى و كى أكون منصفا لا شئ جديد ليُفعل فى ظل تخبط المعارضة المصرية بين مستفيد من وجود النظام الحالى لدعم أهداف فكرية يقوم بها النظام بكل شراسة تتمثل فى الهجمة على الإسلاميين لمحو الفكر الإسلامى نفسه و فتح قنوات الهجوم على أسس و ثوابت عقيدية لدى الإسلاميين و بين جبهة الإسلاميين التى مزقتها حملات الإعتقال و القتل و التنكيل من ناحية و الخلافات الداخلية الأشبه بالعواصف من ناحية أخرى . ثمة وقفة داخلية لابد ان تعلنها جماعة الإخوان المسلمين فى مصر بعد وفاة عاكف و ثمة شئ لابد من إدراكه ، أن هذا النظام يخوض حرب إبادة لجماعة الإخوان و لكوادرها و ليس فقط مجرد حرب يقلم فيها أظافر التنظيم أو يحاول إثناءه عن هدف معين ، لابد ان يكون فى الوعى ان هذه الحرب من الممكن ان تنتهى بمحو التنظيم بصورة نهائية فى ظل التخبط الشديد الذى يعترى قيادة الجماعة و الذى نتج عنه خفوت الحراك الطلابى فى الجامعات و محوه من الشارع بعدما أدرك التنظيم متأخرا ان الحرب طويلة يزيد فيها النظام من أسلحته و خياراته و لا يحقق فيها التنظيم اى مكسب يُذكر . لابد ان يأخذ -ما تبقى من التنظيم- فى الحسبان ان هذا التحول الرهيب الذى يشهده التنظيم نذير خطر نحو تحول جزء كبير من شباب الإسلاميين ناحية الأفكار الراديكالية بسبب عجر التنظيم عن تقديم أية حلول سواء مُرضية او غير مرضية خاصة لفئة الشباب ،عجز التنظيم عن تقديم أيّة رؤية عقلانية بإستراتيجية جاذبة لهذا القطاع الكبير من الشباب ،ثمة حالة عجز تسبق حالة من الغضب العارم الذى ربما يترجم الى أفعال راديكالية و متطرفة لا يام التحكم فيها ولا يتم تفسيرها سوى انها ردة فعل غاضبة بعدما عجز الكِبار عن تقديم الحلول او قيادة المشهد الثورى قيادة صحيحة تعود بها الجماعة الى معسكر العمل السياسى بأقل الخسائر بعدما بدى عقلانيا استحالة عودة ما يسمى " الشرعية " الى الحكم مرة أخرى بالسيناريو المثالى جدا الذى يعيشه بعض كوادر و أفراد التنظيم . هذا ما أردكه مبكرا الكثير من شباب التنظيم و بدا تفكيرهم شاذا و مستهجنا من الكثيرين بداخل التنظيم و أدى الى حملة مما سُمى " الفصل من الجماعة " و هذا ما أحدث فجوة و خللا كبيرا أدى الى تملص الكثير منهم من دعوات أطلقتها العديد من البيانات الأسبوعية لصفحات الجماعة وصفوها بالضعيفة و الهزيلة ، خاصة مع الإنقسام الكبير الى جبهتى "عزت و منتصر" الأمر الذى أحدث حالة من الغربة لشباب الجماعة و راح الكثير منهم يجد طريقة للهرب او البعد نهائيا عما يمس الجماعة سواء أكمل طريقه فى العمل الثورى ام أقلع عنه . بوفاة الأستاذ عاكف بهذه الطريقة المهينة تتساقط الكثير من الآمال نحو حل سلمى"لم يعد لدى النظام خطوط حمراء او اعتبارات انسانية " ، و مع إثبات كذب بعض التيارات التى تحاول إيهام أكبر عدد ممكن ان هناك تفاوضا يتم بالسجون و أن القيادات فى الداخل فى طريقها للحل - كلام يتم ترديده على أسماع الشباب خاصة فى المعتقلات و قد شهدته بنفسى أثناء فترة إعتقالى - تبدد هذا الأمل و لاح فى الأفق ظلام دامس لا يولد سوى تطرفا و عنفا و راديكالية او خنوع او تبلد ناحية العمل الثورى ككل، و هذا برأيى ما ستحدثه وفاة المجاهد محمد مهدى عاكف رحمه الله . الأمر بين خيارين لا ثالث لهما بالنسبة للشباب التائه و الذى مازال بداخل البلاد ولا يجد طريقه الى خارجها لضيق ذات اليد او لتمسكه بالعمل فى مصر ، إما العمل الراديكالى" المسمى جهاديا " الناتج من الظلم و القهر أو البُعد عن العمل السياسى برمته و الإنخراط فى مشاغل الحياة العادية المصرية . هذا الأمر برمته خسارة للتنظيم ومكسب للنظام المصرى الذى سيستغل الأمر لنشر الصورة التى طالما حلم بإثباتها ان جماعة الإخوان تستخدم العنف نهجا و سبيلا معلنا للقضاء على المؤسسات و خلق حالة من الفوضى و الى ذلك من التهم التى يخرج علينا بها إعلام العُهر ليل نهار ، و هو أمر يحتاج الى مجهود سنين من الإصلاح لإثناء هؤلاء الشباب الضحايا عن هذا المنهاج و العودة الى النهج السلمى مثلا !! لا أدّعى هنا تأييدى لأى من تلك المنهاجيات فأنا أكتب بموضوعية الباحث الذى يحاول ان يحلل بما لديه من معلومات و يتوقع سيناريوهات مستقبلية دون تغليب إحداها بسبب تأييده لسيناريو دون آخر ، ما أراه - و يراه الكثيرون شبابا و محللين مختصين - ان حلولا عقلية لابد ان تطرح و يؤخذ فى الحسبان التغيرات الجذرية التى يشهدها العالم العربى منذ سنوات بما يحفظ للجماعة كيانها و فكرتها التى تنبع من القرآن و السنة و تتبنى استراتيجيات أكثر عقلانية . إن تغيّرا جذريا يحدث فى العالم العربى بيد النظام العالمى يراد منه محو فكرة "الإسلاميين " من العالم كله تلك حرب طويلة تخوضها أجهزة عالمية بتمعن شديد و تفكير كُلّى يستخدم فى ذلك الأنظمة السلطوية لتكون جنديا مطيعا ، هذا ما يحدث فى مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين و ما شابهها من إسلاميين ، و فى ليبيا على يد حفتر و فى تونس تجرى عملية لتقليم أضافر الإسلاميين أو استفزازهم بقوانين محلية لجرهم الى تلك الدائرة ، و فى سوريا و العراق تجرى عمليات التطهير و التغيير الديموغرافى ، و فى اليمن تتم إجراءات التسليما الى النفوذ الشيعى على قدم و ساق ، كل هذا يحدث بدون أن يقدم الإسلاميون فى البؤر المشتعلة اى نجاح الى الآن . يحتاج الإسلاميون فى الوطن العربى خاصة إنطلاقا من مصر ان يحدثوا هذا التغيير الاستراتيجى فى ظل التقهقر الحادث كل يوم .أن يعدّوا العدة و ان يُدركوا حجم أنفسهم جيدا و حجم ما يحاك ضدهم من الاعيب و مؤامرات و حروب تُخاض من أجل إبادتهم والله من وراء القصد ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :