نمو اقتصادنا ورفاه مواطنينا يتطلبان عمالة وافدة

  • 9/23/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد رمضان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا المدمرة إلى دولتين (شرقية وغربية)، احتاجت ألمانيا الغربية إلى الملايين من العمالة الأجنبية وخاصة غير الماهرة أو غير المتعلمة منها للعمل في شتى المجالات؛ بهدف المحافظة على النمو الاقتصادي الكبير في فترتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فبينما استوردت ألمانيا الغربية العمالة عن طريق اتفاقيات مع إيطاليا واليونان واسبانيا وتركيا والمغرب والبرتغال وتونس ويوغوسلافيا كوصفة سحرية للتقدم، اعتمدت جارتها الشرقية على النظام الشيوعي الذي تضمن فيه الحكومة الوظائف للمواطنين بمختلف مهاراتهم من دون الحاجة إلى العمالة الوافدة. لذلك، لم تحقق ألمانيا الشرقية أي تقدم يذكر مقارنة بجارتها الغربية. إلى ذلك، لم تكن أي من دول مجلس التعاون أو الكويت تحديدا من الدول المتقدمة قبل النفط، كما كانت ألمانيا قبل الحرب. لذلك؛ احتاجت الكويت إلى الخبرات الأجنبية في كثير من المجالات، بالإضافة طبعا إلى العمالة غير المتعلمة أو القليلة التعليم التي تقوم بالوظائف غير المقبولة عند المواطنين، كما كانت الحال في ألمانيا الغربية. ومثلما كانت ألمانيا مدمرة بعد الحرب وفرص النمو الاقتصادي بها كبيرة، كانت الكويت دولة فقيرة متخلفة قبل اكتشاف النفط وبها فرص هائلة للنمو الاقتصادي بوجود أموال الصادرات النفطية. البطالة المقنعة وراحة المواطنين بسبب سهولة حصول الدولة على ايرادات النفط، تحولت الكويت من دولة فقيرة متخلفة إلى دولة غنية ريعية توزع فيها الأموال على المواطنين من دون اشتراط مقابل ينتج. وبالتالي أصبحت الحكومة مسؤولة عن توظيف المواطنين وخلق البطالة الحكومية المقنعة وهو ما شكل وقوداً إضافياً للحاجة إلى الوافدين على النحو التالي: ● الحاجة إلى الوافدين في القطاع الحكومي حتى مع وجود عدد أكثر من كافٍ من المواطنين للقيام بعملهم. (راجع البطالة المقنعة عند المواطنين وهروبهم إلى الوظائف السهلة ذات الراتب العالي). ● الحاجة إلى الوافدين في القطاع الخاص بسبب عدم وجود من يرغب أو يستطيع القيام بأعمالهم من المواطنين. ● الحاجة إلى الوافدين كعمالة منزلية لرغبة المواطنين في المزيد من الراحة والرفاهية. الوافدون والتنمية الاقتصادية باستثناء السعودية التي يشكل مواطنوها أكثر من 75 %من مواطني مجلس التعاون وأكثر من 83 %من اجمالي المساحة، يمكن تصنيف باقي دول مجلس التعاون بأنها صغيرة في المساحة أو في عدد المواطنين. ولو استمررنا في هذا الاستثناء ونظرنا إلى ترتيب دول مجلس التعاون الخمس في مؤشر التنافسية العالمي لسنة 2017، لوجدنا أن هناك علاقة مباشرة بين تحسن ترتيب التنافسية العالمي وزيادة نسبة الوافدين في التركيبة السكانية مما قد يؤكد على وجود قيمة مضافة للعمالة الأجنبية في الدول الخمس محل المقارنة. فقد جاءت دولة الامارات دون تحديد امارة معينة في الترتيب الــ 16 عالميا ونسبة المواطنين بها 17 %إلى اجمالي السكان. تليها قطر بالترتيب الــ 18 ونسبة 11.1 % ثم الكويت بالترتيب الـ 38 ونسبة 30.3% ثم البحرين بالترتيب الــ 48 ونسبة %46.7، وأخيرا عمان بالترتيب الـ 66 عالميا ونسبة مواطنين 54.2%. إلى ذلك، لو نظرنا إلى الدول العشر الأولى عالميا في مؤشر التنافسية لوجدناها متنوعة من حيث نسب المواطنين إلى اجمالي السكان ويمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام حسب نسبة المواطنين فيها. فقد كانت نسبة المواطنين منخفضة في سنغافورة وهونغ كونغ عند مستوى يقارب الــ 60% وجاءتا في الترتيب الثاني والتاسع عالميا في مؤشر التنافسية. ثم أتت سويسرا بنسبة مواطنين تقارب الــ 70%، واحتلت الترتيب الأول عالميا بالمؤشر. ثم أتت كل من الولايات المتحدة وهولندا وألمانيا والسويد والمملكة المتحدة بنسبة مواطنين تقارب الــ 85 %وحلوا بالترتيب الثالث إلى السابع. والقسم الأخير لليابان وفنلندا عند نسبة مواطنين تقارب الــ 95% أو أكثر منها واحتلتا الترتيب الــ 8 والــ 10 عالميا في المؤشر. دون الدخول في تفاصيل كثيرة وتجنبا للإطالة يمكن تلخيص ما سبق عن علاقة تحسن ترتيب الدول بمؤشر التنافسية العالمي بزيادة نسبة الوافدين في الدولة بالآتي: أ ــــ كلما زادت إيرادات دول مجلس التعاون السهلة من النفط والغاز نسبة إلى عدد المواطنين فيها، زاد التوظيف الحكومي الشكلي والبطالة المقنعة وقلت إنتاجية المواطنين وزادت الحاجة إلى العمالة الأجنبية. (راجع المرض الهولندي والتأثيرات السلبية للاقتصادات الريعية) ب ــــ كلما ارتفع الانفاق على المشاريع التنموية وزادت سرعة دوران عجلة الاقتصاد زادت الحاجة إلى العمالة الأجنبية. ج ــــ كلما كان التجنيس أصعب ارتفع عدد العمالة الأجنبية. فلو تخيلنا الدولة ذات أكبر اقتصاد في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية من دون تجنيس للعمالة الوافدة لعقود من الزمن، لأصبحت اليوم نسبة المواطنين فيها من ضمن الأقل في العالم مثل قطر والامارات. كذلك من غير المجدي الإكثار من التجنيس في الدول الريعية لأن تكلفة المواطن في الدولة الريعية أعلى بكثير من قيمته المضافة في الاقتصاد. د ــــ كلما فضل المواطنون الراحة والرفاهية على بذل الجهد والعمل زادت الحاجة للعمالة الأجنبية. ويمكن الاستدلال على ذلك مثلا من ارتفاع أعداد العمالة المنزلية بالمنطقة. (تقارب نسبة العمالة المنزلية %45 من اجمالي المواطنين في الكويت). هـ ــــ كلما كانت مخرجات التعليم سيئة ذات قدرات محدودة وامكانات ضعيفة زادت الحاجة للعمالة الأجنبية. و ــــ تزداد الحاجة للعمالة الأجنبية كلما انخفض عدد المواطنين. ز ــــ عندما يكون العمل قيمة مقدسة في المجتمع ويوضع الشخص المناسب في المكان المناسب تقل الحاجة إلى العمالة الأجنبية. (راجع كاروشي وهي ظاهرة موت اليابانيين بسبب افراطهم بالعمل). بعض المعتقدات الخاطئة عن الوافدينمن يتابع ردود أفعال النواب والمواطنين حول توطين الوظائف والتركيبة السكانية يكتشف انتشار معتقدات خاطئة عند الكثيرين، وهي: 1- «الوافد ماخذ مكان المواطن في الوظيفة الحكومية» غير صحيح، والحقيقة أنه لا توجد وظائف جديدة فعلية للمواطنين والوافد يقوم بالأعمال التي لا يريد أو لا يستطيع المواطنون القيام بها.2- «الوافد مرتاح بديرتنا، لأنه مو حاصله جذي بديرته».. ليس بالضرورة، قد يكون وضعه أسوأ بكثير في بلده، لكن هذا لا يعني أن وضعه جيد عندنا. قد يكون أقل سوءا فقط. (راجع تقارير منظمة حقوق الانسان وسلبيات نظام الكفيل الاستعبادي).3- «الوافدين مزاحمينا في كل مكان». غير صحيح، الواقع هو أن الدولة لم توفر أو تحرص على توفير الخدمات والمرافق والطرق اللازمة لاستيعاب النمو السكاني.4- «يجب فرض ضريبة على تحويلات الوافدين». غير صحيح، هذه الضريبة ستكون على ما تبقى من دخله الذي يبعثه لعائلته التي لا يمكنه أن يجلبها معه. والصحيح هو فرض رسوم شهرية على صاحب العمل عن كل عامل أجنبي للمساهمة في تمويل دعم العمالة.5- «العمالة السائبة تقدر بمئات الآلاف». غير دقيق، إذا كان الوافد لا يعمل عند كفيله المسجل في السجلات الرسمية فلا يعني ذلك أنه لا يعمل على الإطلاق. هو يعمل بمستندات غير قانونية لا تعكس طبيعة عمله الفعلي فقط بسبب سكوت الدولة عن تجار الاقامات.6- «التفرقة في رسوم الكهرباء والخدمات بين المواطن والمقيم أمر غير عادل». ليس من العدالة أن تتحمل الدولة تكاليف دعم الكهرباء والماء وخلافه الناتجة عن استهلاك المقيمين. العدل هو أن يتحمل صاحب العمل هذه التكاليف بدلا عن الدولة.7- «لا يجوز رفع الرسوم الصحية على الوافدين». غير صحيح، لا يجوز أن تتحمل الدولة كلفة علاج الوافدين لأن الكفيل أو صاحب العمل يفترض أن يكون هو المسؤول عن تكاليف العامل الوافد الصحية. وعلى الدولة أن تحرص على أن يحصل العامل على الرعاية الصحية اللازمة على نفقة صاحب العمل. (يمكن ان يتحمل العامل الأجنبي التكاليف الصحية بنفسه إذا تم الغاء نظام الكفيل كما هي الحال في البحرين).8- «لا بد من تقليص أعداد الوافدين». غير صحيح، ولا يمكن ذلك في ظل استمرار نموذج الدولة الريعية. بل على العكس، يمكن الاستمرار طويلا في النموذج الريعي إذا تمت السيطرة على نمو أعداد المواطنين وأوقفت الدولة الدعم عن الخدمات المقدمة للوافدين. (راجع نموذج دبي الذي تربح من خلاله الإمارة من تقديم الخدمات والرخص للوافدين والسياح بهدف المساعدة في الانفاق على المواطنين). * * * ليست لدينا قيم مقدسة للعمل مثل اليابانيين، وليس لدينا انضباط مثل الألمان، ولا يمكن أن نفتح باب التجنيس مثل أميركا. لكن يمكننا أن ندرك واقع الحال ونحرص على مصالحنا البعيدة المدى، بدل أن نصدق كذبة أن المواطن في دولة ريعية مصابة بالمرض الهولندي يمكنه أو لديه الدافع الكافي ليعمل بجد ويكون بديلا ناجحا عن العمالة الوافدة. محمد رمضانكاتب وباحث اقتصاديrammohammad@

مشاركة :