تحوّلت كركوك بمخزونها الواسع من النفط ووضعها المتنازع عليه إلى فتيل يهدد بالانفجار، إذ يضبط مقاتلو البشمركة الأكراد الأمن في حين تسدد الحكومة العراقية الفاتورة، فطوال سنوات اعتاد سكان كركوك المختلطون عموماً ترك حروب الهوية العراقية عند أبواب المدينة ليواصلوا حياتهم اليومية المتعددة اللغات، فقد اعتاد الأكراد، والتركمان، والعرب بسرور مزج لغاتهم المختلفة في المقاهي. لهذه المحافظة حاكم كردي، وتتمتع البشمركة، التي حلت محل الأميركيين عام 2003، بالسلطة الأعلى، لكن معظم مسؤولي المحافظة ما زالوا من العرب. لم تصل النيران بعد إلى الهشيم، لكن الاستفتاء الأحادي الطرف الذي دعا إليه الأكراد للحصول على الاستقلال قد يبدّل الوضع، تتقاطر القوات الكردية والعربية المتنافسة إلى المحافظة، ويؤكد سكانها، الذين يعيشون حياتهم بهدوء، أنهم خائفون. نلاحظ انقساماً عميقاً بين الأكراد أنفسهم، فقد نظّم مسعود برزاني حشوداً كبيرة تلوّح بالأعلام في منطقته بأربيل ودهوك، علماً أن المحافظتين خاضعتان للحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن كثيرين في مناطق أخرى يخشون أن برزاني يغامر بإقليمهم، إذ تخلو شوارع محافظتَي كركوك والسليمانية الخاضعتين لخصم برزاني القديم، والاتحاد الوطني الكردستاني، على نحو محلوظ من ملصقات الحملة ولافتاتها. وخلال التنقل في شوارع سوق مدينة السليمانية، لم يعثر هذا المراسل على كردي واحد يخطط للتصويت، فبعد 26 عاماً من الحكم الذاتي، يشكك كثيرون في قدرة حكامهم على إدارة دولة، فتنقسم قواتهم العسكرية إلى فصائل عدة، ويعاني البرلمان حالة من الجمود منذ سنتين بعدما حاول انتزاع الصلاحيات من الرئيس، الذي كان يُفترض أن ينتهي عهده لاثنتي عشرة سنة قبل أربع سنوات. يرزح الإقليم تحت دين بقيمة 20 مليار دولار، ورغم السيطرة على حقول النفط في كركوك وتصدير ما لا يقل عن 300 ألف برميل تنتجه يومياً عبر تركيا، خفضت حكومة برزاني الرواتب، التي لم تُدفع منذ أشهر، لذلك يتذمّر الموظفون الحكوميون في مقهى الشعب في السليمانية من دعوة برزاني إلى استفتاء، معتبرين إياه مجرد سحابة دخان لإخفاء مآسي حكومته الداخلية، ومن اللافت للنظر أن بائعاً متجولاً كان يبيع بفخر في هذه المنطقة، التي لم تتعافَ بعد من استخدام صدام حسين الأسلحة الكيماوية، أوراقاً نقدية عراقية قديمة تحمل وجه ذلك الحاكم المستبد. يقول هذا البائع إن حكم عائلة صدام كان أفضل من عهد برزاني. على نحو مماثل شدد طالب كان يبيع الأعلام الكردية ليسدد نفقات تعليمه على أن الشرق الأوسط سيكون أفضل حالاً من دون دولة فاشلة أخرى. قد يتراجع برزاني، فقد دعا البرلمان في 15 سبتمبر إلى الانعقاد بعد انقطاع دام سنتين، ولذلك استهجن سياسيون أكراد كثر سياسة حافة الهاوية التي يتبعها، فمن بين أكراد الشرق الأوسط الثلاثين مليوناً، يتمتع أكراد العراق الستة ملايين بالمقدار الأكبر من الحقوق، لكن كثيرين يخشون اليوم أن يصبح الاستقلال الذاتي الذي صانوه طوال 26 سنة مهدداً. يشير البعض إلى عام 1946 حين قاد والد مسعود برزاني، مصطفى، القوات الكردية في إعلان جمهورية كردية في بلدة مهاباد الإيرانية، ولكن بعد خسارته الدعم الدولي انهارت في أقل من سنة.
مشاركة :