أنقرة، بغداد - وكالات - تزامناً مع تكثيف مناوراتها العسكرية على الحدود مع العراق، رفعت تركيا سقف تحذيراتها لإقليم كردستان، أمس، مهددة بالخيار العسكري وباعتماد «لغة يفهمها» رئيس الاقليم مسعود بارزاني، على خلفية تمسكه باستفتاء الاستقلال المقرر غداً الاثنين. وقال رئيس الوزراء بينالي يلدريم، خلال زيارة الى كرشهير وسط البلاد، إن «الاجراءات التي سنتخذها... سيكون لها أبعاد ديبلوماسية وسياسية واقتصادية وأمنية». وعند سؤال رئيس الحكومة بشأن طرح «عملية عبر الحدود» بين الخيارات التي يتم درسها، أجاب: «طبيعي. لكن، ما الذي سيتم تفعليه منها ومتى؟ المسألة متعلقة بالتوقيت حسب تطور الوضع». وشدد على أن «الاستفتاء سيكون له ثمن سيدفعه الذين اتخذوا القرار وليس الأبرياء»، لافتاً إلى أن بلاده «وجهت التحذيرات اللازمة منذ البداية بطريقة ودية كدولة جارة إلا أنها لم تجد آذاناً صاغية»، في إشارة إلى تمسك الأكراد بموقفهم. واضاف «إن الحكومة التركية حذرت مسعود بارزاني ولكنه لم يفهم، ونحن سنتحدث معه باللغة التي يفهمها جيداً». من جهته، قال وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي إن بلاده لن تسمح بإنشاء كيان كردي على حدودها، مؤكداً أن الاستفتاء «قد يتسبب بحريق في المنطقة لا يمكن السيطرة عليه». بدوره، حذر الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، عبر «تويتر»، من أنه «إذا لم يُلغَ الاستفتاء فستكون هناك عواقب خطيرة»، مؤكداً أنه «يجب على أربيل أن تمتنع فوراً عن هذا الخطأ الجسيم الذي سيثير أزمات جديدة في المنطقة». وطوّرت أنقرة في السنوات الماضية العلاقات الاقتصادية مع اقليم كردستان العراق، وهي حالياً المنفذ الوحيد الذي يتيح لأربيل تصدير النفط عبر أنبوب يصب في مرفأ جيهان التركي. وفي حين وافق البرلمان على طلب من الحكومة لتمديد العمل لمدة عام بالتفويض الذي يجيز نشر قوات في سورية والعراق، أعلن الجيش التركي، الذي ينفذ مناورات بدأت الاثنين الماضي وتستمر حتى الثلاثاء المقبل على الحدود مع العراق، أنه تم «رفع مستوى» التدريبات، مع استمرار المرحلة الثانية «بمشاركة وحدات عسكرية إضافية». وفي إطار التنسيق المكثف مع بغداد وطهران، استقبل رئيس الأركان التركي خلوصي أكار نظيره العراقي عثمان الغانمي في أنقرة، أمس، في حين يتوجه الرئيس رجب طيب اردوغان الأربعاء المقبل إلى طهران على أن يسبقه إليها رئيس الاركان. وكانت أنقرة وجهت، أول من أمس، ما وصفته بـ «نداء أخير» الى سلطات اقليم كردستان لإلغاء الاستفتاء، معلنة أنها تنظر في «جميع الخيارات». وأكد مجلس الامن القومي التركي، في ختام اجتماع برئاسة أردوغان، أن الاستفتاء «غير قانوني وغير مقبول»، و«يهدد مباشرة الأمن القومي التركي»، محذراً من «تداعياته الخطيرة» على المنطقة بأسرها. من جهته، قال الناطق باسم الحكومة بكير بوزداغ، انه خلال اجتماع الحكومة، الذي عقد قرابة منتصف ليل اول من امس في أعقاب اجتماع مجلس الأمن القومي، «وضعنا كل الخيارات على الطاولة، ودرسناها واحدة تلو الأخرى»، من دون أن يعطي تفاصيل إضافية. وسط هذه الأجواء، وصل وفد من حكومة إقليم كردستان إلى بغداد، أمس، لإجراء حوار مع الحكومة العراقية والقادة السياسيين. وقال هوشيار زيباري أحد كبار مستشاري زعيم إقليم كردستان مسعود بارزاني إن الوفد سيناقش عملية الاستفتاء لكن الاستفتاء سيمضي قدماً، مشيراً إلى أن المحادثات مع بغداد ستجري قبل الاستفتاء وخلاله وبعده. وفي حين كان يفترض أن يعقد بارزاني الذي يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية، أمس، مؤتمراً صحافياً، إلا أنه تم تأجيله إلى اليوم الأحد، تضاربت الأنباء أمس بشأن تأجيل الاستفتاء. ونقلت الفضائية العراقية الرسمية عن القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني» بافيل طالباني قوله ان الحزبين الرئيسيين في الاقليم وافقا على قبول مقترح دولي لإرجاء الاستفتاء، إلا أن الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني سارع إلى نفي ذلك، مؤكداً أن الاستفتاء سيُجرى بموعده. كما نفى المجلس الأعلى لاستفتاء إقليم كردستان تأجيل التصويت، مؤكداً في بيان أن «هذا الخبر لا أساس له من الصحة». وسط هذه الأجواء المشحونة، تهافت سكان مدينة كركوك، المتعددة الإثنيات شمال بغداد، على شراء المواد الغذائية. ويخشى سكان المحافظة الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين بغداد وأربيل، تدهوراً في الأوضاع الأمنية، بعدما صوت مجلس المحافظة على أن تشملها عملية التصويت، ما أثار استياء بغداد. وقال عمران خضر، وهو بائع في السوق القريبة من القلعة التاريخية في المدينة، إن «أسعار المواد ارتفعت بنسبة 20 في المئة»، مؤكدا أن «ما يفعله السياسيون يربح منه التجار والسماسرة، ويدفع ثمنه المواطن الكركوكي الفقير». وفي إطار الضغوط المتصاعدة على أربيل، طالب نائبان في مجلس النواب العراقي بتجميد المناصب القيادية والتنفيذية للسياسيين الأكراد في حكومة بغداد إلى أن يتم التراجع عن الاستفتاء، علماً أن الأكراد يشغلون مناصب مهمة في الحكومة الاتحادية أرفعها منصب رئيس الجمهورية ومنصب نائب رئيس البرلمان، فضلاً عن أكثر من 60 نائباً وعدد كبير من الوزراء والسفراء والقضاة. عربياً، اعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن تجربة بلاده تعتبر دليلاً على نجاح ومرونة النظام الفيديرالي.
مشاركة :