"ساند".. "حنا أبخص بالمطر"!

  • 8/14/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

قد فكر وقدر، تأمل وتدبر، وحين اختمرت الفكرة ونضجت، عبس ثم نظر، ثم أمر الموظف بجانبه: ساند! تراجع الموظف خطوتين وهو يردد: ما أنا بساند. فمد الآخر يده إلى جيب الموظف وهو يقول: إن رضيت أو لم ترض، إن علمت أو كنت تجهل، سأخذ الاثنان في المائة الآن كما قررت بعد طول تفكر وتدبر، مع وعد بأن تجدني أمامك بداية كل شهر لاستقطاع مثلها إلى أن توافيك المنية أو تبلغ أرذل العمر. وأنهى حديثه وهو يُدبِر بقوله: قد قضي الأمر، وعار علي أن أعيد التفكير في ذات الأمر مرتين. أدبر تاركا الموظف يلملم علامات التعجب والاستفهام من على الأرض، يلملمها ليمضغها ثم يبلعها إلى أن "ينطم". وبعيداً عن العك أعلاه، "ساند" نظام تكافلي، جميل جداً، فالتكافل الاجتماعي بكل درجاته وأشكاله ومستوياته شيء جميل ومطلوب ومرغوب، إلا أن الأجمل أن يكون بالتراضي بين جميع الأطراف، الأجمل أن يتم الأمر برضى المانح وعلمه ومشورته المسبقة، حتى تتحقق حينها المنفعة الدنيوية لمن يأخذ، والثواب الأخروي لمن يمنح ويعطي، وإلا كما قال الشيخ "محمد الغزالي" فإن الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل. وحتى تنتفي صفة الإكراه كان من الممكن أن يتم طرح "ساند" على الرأي العام من خلال مجلس الشورى قبل إلزام الناس به، لأن "قضي الأمر" ينبغي أن لا يكون لها محل من الإعراب. عن نفسي، وطالما ليس لي من خيار هنا، فسأقبل بـ"ساند" عن طيب خاطر، فالإنسان وبعد أن يوارى الثرى لن ينفعه إلا العمل الصالح، والمبلغ في الأساس زهيد 1% من الراتب، بينما الفائدة المرجوة عظيمة. الإشكالية ليست في قيمة المبلغ أو نسبته، الإشكالية في التقاطع الذي سيحدث حينها بين ما أفعل وبين ما تفعل بعض الجهات والمؤسسات، بمعنى آخر إن كنت أنا الموظف من سيتكفل بإعانة زميلي الموظف المفصول حتى يتحصل على وظيفة جديدة، فما هو دور وزارة العمل؟ ما دور لجان تسوية الخلافات؟ ما دور مكتب العمل؟ أليست هذه الجهات مسؤولة عن حقوق الموظف؟ فلماذا إذاً لا أحد منهم "يساند"؟ وإن كان الجميع فعلاً يساند فلماذا يطلب مني أن أساند؟ والسؤال الأهم: هل هذه الجهات تقاعست في أداء عملها؟ إن كان الجواب بلا فلماذا أساند؟ وإن كان الجواب بنعم فحينها أساند من، الجهات المتقاعسة أم زميلي الموظف الغلبان؟! الإشكالية الأخرى، تدور حول حقيقة أن نظام "ساند" مبني على احتمالات، احتمال أن يتعرض الموظف لفصل تعسفي، احتمال أن يتم فصله لمرض مزمن، احتمال أن تعلن المنشأة إفلاسها فتقوم بتسريح العاملين، احتمال أن تجد المنشأة عاملا آخر أكثر كفاءة، وهذه احتمالات يجب أن توضع في الحسبان وأن يتم أخذ الاحتياطات في حال حدوثها. لكن ماذا عن الواقع؟ الواقع الذي يعيشه كثير من الموظفين وهم على رأس العمل بصحة وسلامة، كثير من هؤلاء غرقى في الديون والفواتير والإيجارات وغلاء الأسعار والأقساط، إنهم يعيشون هذا الغرق كواقع فعلي وليس احتمالا، وإنهم حين ناشدوا السند جاءهم الأمر بأن يساندوا! كيف بغريق أن يمد يده إلى غريق وهو لم يقف على بر أمان؟ عموما، هنالك تعليق جميل أوردته "المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية" عبر موقعها الرسمي، تعليق توضح من خلاله السبب في كون "ساند" إلزاميا، تقول: "عندما تكون الشمس مشرقة لا يشعر الناس بالحاجة إلى مظلة تقيهم من المطر، ولا يستشعرون بأهيمتها -المظلة- إلا حين ينهمر المطر". أولاً هذا التعليق يبدو أنه مستورد، فبلادنا لا تعرف المطر كثيراً حتى يستدعي الناس فكرة المظلة للتعبير المجازي، هذا النوع من التعبير غايته إمتاع القارىء أو المستمع، المفارقة أن القارئ أو المستمع السعودي لا يستمتع بفكرة المظلة لأنه لا يتهرب من المطر بل يتراقص تحته بسروال وفنيلة، ثانياً وهو الأهم أن هذا التعليق يندرج تحت بند "حِنا أبخص" الذي عشش في عقلية الدوائر الحكومية، فدائما هنالك من يعتقد أنه أبخص بالغد الماطر، أنه يقف وحيدا أمام العواصف والرعود المستقبلية، بينما الجميع حوله يتراقصون مستمتعين تحت لهيب الشمس، كأنه حكيم راشد بين أطفال لا يفقهون.

مشاركة :