أويحيى يزيد من تعقيدات الأزمة بين السلطة والمعارضة في الجزائر بقلم: صابر بليدي

  • 9/24/2017
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

أويحيى يزيد من تعقيدات الأزمة بين السلطة والمعارضة في الجزائرأثار هجوم رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى خلال جلسة البرلمان التي خصصت لعرض برنامجه على المعارضة نقاشا كبيرا. وانتقد مراقبون التوصيفات “السلبية” التي نعت بها أويحيى المعارضين، حيث رأوا أنه كان من الأفضل اعتماد لغة تهدئة تهدف إلى فتح أبواب الحوار السياسي بهدف إيجاد حلول بدل تعميق تعقيدات الوضع.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/09/24، العدد: 10761، ص(2)]ما يقدمه أويحيى ليس بديلا جيدا الجزائر- عمّق خطاب رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى حجم الهوة بين السلطة والمعارضة بشكل يدحض كل تقارب أو اتفاق بين الطرفين من أجل احتواء الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد. وتعيش الجزائر صعوبات كبيرة نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية على الاستقرار الاجتماعي وعلى تماسك الجبهة الداخلية بالإضافة إلى ما يروّج بخصوص تهديدات أمنية واستراتيجية إقليمية تستهدف الجزائر. وظهر أويحيى متناقضا مع نفسه بين خطاب عرض البرنامج الحكومي أمام البرلمان وبين كلمته التي أجاب فيها عن أسئلة النواب، إذ عبر في البداية عن استعداد الحكومة للحوار مع المعارضة لينعتها فيما بعد بـ”النفاق والانتهازية والذئاب والكذب”. وفاجأ خطاب أويحيى المتابعين خاصة بعد دعوات البعض إلى ضرورة تحقيق الأدنى من الوفاق الوطني لتجاوز تعقيدات المرحلة. وزادت نبرة خطاب أويحيى ورسائله السياسية من حدة تصدع الثقة بين السلطة والمعارضة ممّا يشير إلى توجّه الحكومة نحو العزلة السياسية، رغم استقوائها بالأغلبية البرلمانية الداعمة لها في تمرير برنامجها ومشاريعها المستقبلية، خاصة أنّ الحلول المقترحة غير مضمونة النتائج إذ من الممكن أن تجد حكومة أويحيى نفسها وحيدة في مواجهة تطورات الأحداث. واستقبلت الكتل النيابية التابعة لأحزاب المعارضة خطاب أويحيى باستياء كبير على خلفية التهم التي وجهها للأحزاب والمستقلين المنتقدين لخيارات الحكومة لا سيما في ما تعلق بتمهيدها لدخول نهج التمويل غير التقليدي كقاعدة لمجابهة مخاطر الإفلاس المالي رغم ما للخطوة من تهديدات مباشرة للاستقرار الاجتماعي.مراقبون يرون أن لهجة خطاب أويحيى تنطوي على حسابات سياسية معزولة تندرج في سياق الصراع داخل معسكر السلطة، إذ بفضل قدرته على التعامل مع جميع الوضعيات لا يمثل له التنقل بين المتناقضات حرجا واستغرب مراقبون رسائل أويحيى التي حاول من خلالها تأطير خطاب المعارضة ومداخلات النواب للتعقيب على برنامج حكومته. ودعا أويحيى نواب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى “الثناء على الرئيس بوتفليقة نظير إدراجه الأمازيغية لغة وطنية في دستور 2008”. كما انتقد نزوع “حركة مجتمع السلم إلى التطرف بعد رحيل مؤسسها محفوظ نحناح، الذي لم يتوان طيلة مساره السياسي عن المشاركة في السلطة”. وصنف أويحيى، في جلسة الرد على أسئلة النواب، أحزاب المعارضة إلى أحزاب “متحضرة” وأخرى “غير متحضرة”، في إشارة إلى القوى السياسية المهادنة للسلطة بالنسبة إلى تصنيفه الأول وللقوى الراديكالية المنتقدة لخيارات ومشاريع السلطة بالنسبة إلى تصنيفه الثاني. وأعطى خطاب أويحىى للمراقبين انطباعا بأن رئيس الوزراء الذي أثنى على أحزاب “الأغلبية الرئاسية”، “يريد البحث عن معارضة على مقاس السلطة”. وأفرد أويحيى جزءا من خطابه للأصوات التي دعت إلى تفعيل البند 102 من الدستور بهدف عزل الرئيس بوتفليقة على خلفية ما تسمّيه “فراغ منصب الرئاسة بسبب العجز الصحي” بالإضافة إلى دعوة الوزير السابق والناشط السياسي نورالدين بوكروح الجزائريين للقيام بثورة سلمية. ووصف أويحيى المتحدثين عن فراغ منصب رئيس الجمهورية وعلى رأسهم حزب “جيل جديد” وزعيمه جيلالي سفيان بـ”النفاق والانتهازية ” بعد إطلاقه حملة توعية ميدانية للمطالبة بتطبيق البند 102. كما نعت جزءا آخر من المعارضة بـ”الذئب الذي يترصد سقوط الثمار من تحت الشجرة ” في إشارة إلى بوكروح دون ذكره بالاسم. وحمل خطاب رئيس الحكومة رغبة السلطة في تحديد الخارطة السياسية وفق مقاس معين، بعد عبارات الثناء والمدح التي خص بها أحزاب السلطة وذكرها الواحد تلو الآخر (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية وتجمّع أمل الجزائر “تاج”) على خلفية دعمها غير المشروط لبرنامج الحكومة. كما هاجم أويحيى بشدة الأحزاب العلمانية والإسلامية والشخصيات المستقلة ومن بينها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة مجتمع السلم والوزير السابق نورالدين بوكروح. وفي أول ردّ فعل صدر عن المعارضة التي طالها هجوم أويحيى قال رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس في تصريح للصحافيين إن “رئيس الوزراء انحرف في خطابه وظهر كأنه يتحدث مع أناس في المقاهي وليس طبقة سياسية يجب فتح قنوات الحوار معها من أجل الخروج من الوضعية الصعبة التي تواجهها البلاد”. وأضاف بلعباس “توظيفه (أويحيى) لكلمة جحيم في خطابه تعني بأننا سنواجه سنوات أليمة وسيجد الجزائريون أنفسهم بعد أشهر أمام غلاء الأسعار وانخفاض قيمة الدينار وهروب المستثمرين”، متابعا “ولا ندري لما استعمل أويحيى هذه الكلمة لكن الأكيد أنها التوصيف الأنسب في حال واصلت الحكومة الانفراد بقراراتها غير المسؤولة”.الكتل النيابية التابعة لأحزاب المعارضة استقبلت خطاب أويحيى باستياء كبير على خلفية التهم التي وجهها للأحزاب والمستقلين المنتقدين لخيارات الحكومة وقال النائب والقيادي في حزب العمال رمضان تعزيبت إن “توصيف رئيس الوزراء للوضع الاقتصادي بـ’الجحيم’ أمر مقلق”. ورأى أن “أويحيى خلع في خطابه السياسي قبعة رئيس الوزراء وسيزيد من حالة التشنج بدل إيجاد حلول لتعقيدات الأزمة بالحوار ومدّ قنوات الثقة”. وشدد رئيس الكتلة النيابية والعضو القيادي في حركة “حمس” ناصر حمدادوش على “التزام حركة حمس بخط الراحل محفوظ نحناح ومبادئه”، قائلا إن “أويحيى آخر من يتحدث عن الشيخ لأنه رجل وطني وقدم مصلحة الوطن على نفسه والأجدر أن يقتاد رئيس الوزراء به لأننا نلاحظ أن عينه على الانتخابات الرئاسية”. وأضاف حمدادوش في تصريح صحافي “أويحيى أثبت أنه ليس رئيس وزراء لكل الجزائريين بل يمثل فئة معينة وتيارا أيديولوجيا معينا وأن خطاب مسؤول الجهاز التنفيذي لم يتطور منذ تسعينات القرن العشرين” في إشارة لخطه السياسي المناهض للإسلاميين في تلك الفترة والرافض لأيّ تقارب بينهم وبين السلطة. وتابع “أويحيى يتهمنا بأننا تائهون لكنه نسي أن من يتحدث عنه مات وفي قلبه حسرة على وضع البلاد وممارسات النظام، خاصة وأنه كان ضحية تزوير في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتم إقصاؤه”. ويرى مراقبون أن لهجة خطاب أويحيى تنطوي على حسابات سياسية معزولة تندرج في سياق الصراع داخل معسكر السلطة، إذ بفضل قدرته على التعامل مع جميع الوضعيات لا يمثّل له التنقل بين المتناقضات حرجا. وسبق لأويحيى، مطلع تسعينات القرن الماضي، أن كان ذراعا سياسية شرسة لتيار الاستئصال وصقور المؤسسة العسكرية في معركة الحرب على الإرهاب والمتشددين الإسلاميين وتحوّل إلى مروّج للمصالحة الوطنية بين الجزائريين عند قدوم بوتفليقة للسلطة في 1999 من خلال تبنيه لمقاربة الحل السياسي للأزمة الأمنية. وكان أويحيى، في 2013، من محاوري أحد رموز التمرد الإسلامي المسلح وهو مدني مزراق قائد ما كان يعرف في تسعينات القرن العشرين بـ”الجيش الإسلامي للإنقاذ”. واستقبل أويحيى في مكتبه بديوان الرئاسة مزراق في إطار ما عرف آنذاك بجلسات الحوار حول الدستور الجديد بإيعاز من السلطة. وتعني هذه الوقائع أن أويحيى الذي وصف نفسه بـ”خادم الدولة” يمكن أن يغير مواقفه وتصوراته وفق الجهات التي توظفه وليس وفق قناعاته السياسية.

مشاركة :