الماضي التالف عملة شباب اليمن اليائس

  • 9/25/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

على غرار بعث السلطات الانقلابية في صنعاء أوراق العملة التالفة لمواجهة أزمة السيولة النقدية، كذلك اتخذ يمنيون كثر من الذكرى الـ55 لثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 سلاحاً أيديولوجياً يرفعونه في وجه الانقلابيين الحوثيين المتهمين بمحاولة إعادة النظام الملكي الذي أسقطته ثورة الشعب اليمني في ستينات القرن العشرين. فلئن تسببت الأنظمة الديكتاتورية في إتلاف الجمهورية وكادت تحولها إقطاعية عائلية وراثية، على غرار ما حصل في سورية، إلا أن الطابع الطائفي للانقلاب الذي يشهده اليمن استدعى استحضار الجمهورية بوصفها رمزاً لمقاومة نظام الإمامة الكهنوتي الذي يسعى الحوثيون إلى إحيائه وفق ما يقول معارضوهم. وتحولت صفحات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي تظاهرة مضادة للانقلاب، إذ أطر ناشطون من الجنسين صورهم الشخصية بشعار ثورة 26 أيلول ونشروا كتابات تكشف ماضي الإمامة. في المقابل، احتفل الحوثيون وأنصارهم بالذكرى الثالثة للانقلاب الذي يعتبرونه ثورة. وهذه المرة الأولى التي يحتفل فيها يمنيون بثورة وثورة مضادة في وقت واحد وبفارق 5 أيام بين المناسبتين. وانطوى تاريخ الانقلاب المسلح على مفارقة. فيوم 21 أيلول هو اليوم العالمي للسلام واليوم العالمي للزهايمر. كما تزامن هذا العام مع مناسبة الهجرة النبوية. الاستنجاد بالماضي يبدو عنواناً لأزمة وعي يعانيها الشباب اليمني العاجز عن مواجهة الحاضر المثخن بالفقر والبطالة والنزاعات والإقصاء. تضاعف هذا مع تشرذم قوى ثورة 11 شباط (فبراير)2011 واستدارة بعضها للتحالف مع النظام السابق. وتعد حركة أنصار الله (الحوثيون) والحراك الجنوبي من أحدث الحركات الشبابية استنهاضاً للماضي والعيش فيه. وخلافاً للحراك الجنوبي الذي يرفع بعض أفراده علم جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية التي ذابت مع قيام الجمهورية اليمنية وبعضهم الآخر يقول بدولة الجنوب العربي أو مملكة حضرموت، لا ترفع حركة أنصار الله علم الإمامة أو شعاراتها صراحة، إلا أن أدبيات الحركة تنطوي على مبدأ الاصطفاء الإلهي وحصر الولاية (الحكم) بآل البيت الهاشمي. وينظر إلى الحرب التي تشهدها البلاد على خلفية انقلاب مسلح تنفذه منذ 21 أيلول ميليشيات الحوثيين (حركة أنصار الله) والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح باعتبارها حصيلة لتعاطي الأحزاب اليمنية مع الديموقراطية بوصفها حفلة تنكرية ومجرد قناع. ووفق الباحث الشاب عبدالقوي غالب فإن انتكاسة الجمهورية والديموقراطية هي نتيجة لنهوض الوعي السياسي على قاعدة الغيبيات والتضخيم عوض الانطلاق من الواقع التجريبي. يقول غالب لـ «الحياة»: السياسة ضخمت ما وراءها وهو الخوف، ولم تضع حدوداً بين الممكن والوهم. فضاع الممكن وتوغل الخوف والوهم حتى أصبح الجسد السياسي محتكراً بالوهم». ويستدل غالب بحال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر «الذي أقر بمسؤوليته كمذنب وليس كفاشل». وعلى رغم الخراب المادي والمعنوي الذي خلفه الانقلاب إلا أن منصات إعلامية حوثية نشرت ما أسمتها «منجزات ثورة 21 سبتمبر» ومنها «إحياء الهوية اليمنية» وهو «اعتراف ضمني من الحوثيين بتمزيقهم النسيج الاجتماعي»، وفق ما ترى الناشطة ياسمين صبري التي أوضحت لـ «الحياة « أن الحوثيين استخدموا الكناية «على غرار مناداتنا الأعمى بالبصير». ويرشح من جولات الصراع التي شهدها اليمن عدم ثبات القيم وشيوع الانتهازية، فبعض الذين عارضوا انقلاب 21 أيلول عارضوه لأن منفذيه خصوم لهم. وكذلك دفعت الخصومة البعض إلى تأييد الانقلاب. وتألفت حملة الاحتفاء بثورة 26 أيلول من جماعات غير متجانسة بينها موالون للرئيس السابق شريك الحوثيين في الانقلاب. ويلفت الناشط عبود أحمد الى الجذور التاريخية المؤسسة للعصبيات ماجعل الماضي يطغى على الحاضر والمستقبل. ويشرح لـ «الحياة» كيف تمكنت التسلطية على مدى أكثر من نصف قرن من تحويل الجمهورية ودولة الاستقلال الى قبائلية جديدة بصبغة ماركسية في الجنوب وعسكرية في الشمال. الأمر ذاته حدث مع الوحدة والديموقراطية حتى صار اليمن الموحد إقطاعية عائلية كبيرة، خصوصاً منذ حرب صيف 1994 ما دفع اليمنيين إلى الخروج إلى الشوارع في 2011 للمطالبة بإسقاط النظام. وتأخذ طالبة الدراسات العليا سوسن مهيوب على اليمنيين ابتعادهم من عقلنة أزماتهم. وتقول لـ «الحياة»: بدل أن تشكل حرب 1994 عامل يقظة وإدراك لأهمية الحوار والتعايش والتداول السلمي للسلطة، اتجهت النخب اليمنية إلى استنهاض العصبويات المذهبية والجهوية فكان أن تفرقت أيادي سبأ مجدداً، مثلما تفرقت قديماً مع انهيار سد مأرب العظيم. وكما أدت حرب 1994 التي هزمت خلالها القوات الجنوبية إلى شيوع الكراهية للوحدة ولكل ما هو شمالي كذلك أدى انقلاب الحوثيين إلى عودة ثنائية القحطانية والعدنانية إلى الواجهة. وظهرت جماعات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى إحياء القومية اليمنية السابقة على الإسلام وصار عبهلة بن كعب العنسي الذي يعتقد أنه أغتيل سنة 632م رمزاً قومياً لعدد من الشباب واسماً مستعاراً لبعضهم. وتنسب مصادر تاريخية للعنسي تحرير اليمن من الفرس وتمسكه بالهوية اليمنية.

مشاركة :