الوساطة في النزاعات بين التأثر بتجارب الغرب وحدود التطبيق عربيا بقلم: محمد الحمامصي

  • 9/25/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كتاب يعالج قضية الوساطة في المجتمع العربي التي لم تجد من يضعها موضع الدرس والتحليل العميق على الرغم مما يضجّ به المجتمع العربي من منازعات.العرب محمد الحمامصي [نُشر في 2017/09/25، العدد: 10762، ص(6)]الوقوع في أتون الحرب تجارب الوساطة في حل النزاعات والقضايا العالقة عديدة ومتنوعة ولا يمكن اختزالها في قضية أو اثنتين، لكن ما هو مؤكد أن هذه التجارب بعضها انتهى إلى إيجاد حلول أفضت لتجاوز أزمات تعيشها دول فيما بعضها الآخر ترتبت عليه عدة قضايا شائكة ومخاضات عسيرة صعّبت المهمة وأفضت إلى وقوع دولة مثل العراق في أتون الحرب. لكن بين هاتين الفرضيتين يمكن الإقرار بأن وساطة ما جادة في عملها وطريقة خوضها لملف ما اقتداء بتجارب عالمية يمكن أن تفيد في حل أزمة هذا البلد أو ذاك خصوصا في الدول العربية. ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب “المدخل لدراسة الوساطة في تسوية النزاعات” لكونه يعالج قضية الوساطة في المجتمع العربي التي لم تجد من يضعها موضع الدرس والتحليل العميق على الرغم مما يضجّ به المجتمع العربي من منازعات. ويؤكد القاضيان شريف النجيحي وأحمد حمدان، وهما رئيسا محكمة وحاصلان على الدكتوراه في تخصص الوساطة بالمنازعات، أن السبيل أمام الوساطة في المجتمع العربي لا ينتظر إلا إشارة البدء، فجميع الطرق تؤدي إليها، وهي آتية كسيل لا مرد له بين الإفادة من هذا التيار الجديد ودعم مسيرته. ويصف القاضيان كتابهما الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بأنه “دعوة إلى منهج خاص في النظر إلى الأمور قبل أن يكون دراسة في سبل فض المنازعات، وهو مدخل إلى عالم كامل من الإنسانية الرحبة التي ترى في الطبيعة الإنسانية الخير قبل الشر، وتخاطب في البشر أسمى جوانبهم دون أن تتركهم لنزعات العناد والصدام في الخصومة. إنسانية ترى أن العلاقات بين البشر أثرى وأعمق من أن يبترها نص قانوني جامد، أو أن يجمدها إجراء قضائي عقيم، وترى أن العمر أقصر من أن يضيع في ردهات المحاكم وبين ملفات الأقضية وغرامات البنوك. إن الكتاب هذا كله، قبل أن يكون أي شيء آخر”.مدخل إلى عالم كامل من الإنسانية الرحبة ويشدد القاضيان على أن الوساطة كسّرت أغلال التقاضي التقليدي، وقتا وجهدا وإجراءات ومالا، وخلقت لنفسها عالما حرا قادرا على النفاذ بأدواته الخاصة وبمفرداته غير التقليدية وبأبعاده التي لا تقف عند حد البعد القانوني للنزاع وحده، بل جابت الوساطة آفاقا أرحب، وارتادت دُنًى أوسع، فكانت أدواتها أكثر تنوعا من أن تلتزم بمفردات التقاضي والتحكيم. ويلفت القاضيان إلى قلة الكتب والمؤلفات التي تناولت الوساطة عربيا على الرغم من اكتظاظ مكتبات الجامعات الغربية ومراكز الأبحاث فيها بالمؤلفات التي لا تكاد تتوقف عن الوساطة، علما وتطبيقا، كتبا ودوريات، مقالات ورسائل جامعية، بل إنه في الكثير من هذه الجامعات توجد أقسام متخصصة لدراسة الوساطة. وفي محاولة لتعريف معنى الوساطة يسرد مؤلفا هذا الكتاب سيرة هذا المصطلح “في البدء كانت الوساطة ثم إن الأخصام نزلوا عن بعض سلطاتهم فكان التحكيم، ثم إن الكيان الجديد المسمّى دولة نزع ما بقي من تلك السلطات، فكان القضاء. أو إن شئت فقل في البدء كان الوسيط ثم إن الوسيط توسع في صلاحياته، فصار حكما ثم إن الحكم تمادى فأمسى قاضيا”. ويضيف النجيحي وحمدان أن الخطوة الأولى نحو العدالة تولاها وسيط مختار من “أهل الخير”، يرتضيه الخصوم، يتطوع بما له من قرابة، ويتدخل بما له من مكانة، فيعرض الصلح ويستأصل الخلاف ويسوّي النزاع، بما يقترحه من حلول يقبلها الطرفان. ويوضحان أنه لأجل هذا لم يكن مفاجئا أن يكون حل مشكلة القضاء بالسير في الاتجاه ذاته؛ فيتخفف الخصوم من ذلك الإجبار المزدوج الذي يخضعان له في التقاضي، فيصبح بوسعهما اختيار الحَكم، دون أن يكون لهما اختيار الحُكْم. ثم لا يلبث الخصوم أن يضيقوا كذلك بالتحكيم، حتى يصبح الحديث عنه بأنه صنو للتقاضي التقليدي. ويؤكد القاضيان أنه “بالوساطة تفر الأطراف من رجل العدالة المريض؛ يفرون من التقاضي التقليدي الذي تراخت قبضته وأصاب سلطانه الوهن ودب في أوصاله المرض، بعد أن ترامت أبعاد اختصاصه ودخل في عباءته من الأنزعة الجديدة ما لم يكن مهيّأ لنظره”. ويرى القاضيان أن الوساطة “أضحت قبلة منشودة منذ نحو عقدين في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي تخطو حثيثا نحو اعتلاء المنزلة ذاتها في منطقتنا العربية بعد أن ضج الناس بالشكوى من تعثر التقاضي بشكله المعهود”. وعن تجارب الوساطة في البلدان العربية لتصفية الخلافات يشير القاضيان إلى أن أدبيات التراث الديني المتنوع في سائر الكتب السماوية تزخر بدعوات صريحة إلى المسارعة في تصفية الخلافات قبل أن تكون خصومات، وتسوية النزاعات قبل أن تكون صراعات. كما أن مجتمعاتنا عرفت ومازالت تعرف الوساطة في مختلف صورها وتطبيقاتها، حيث لا يكاد يقع نزاع حتى تجد أهل الخير يسارعون إلى التطوع بتصفية الأجواء وتبسيط الخلاف وإذابة الجليد ووصل ما انقطع وجبر ما انكسر. ويؤكد المؤلفان في ختام حديثهما على أن أهل الخير هنا وسطاء متطوعون محايدون موثوقون، لا ينتهون إلى حكم ولا قرار بل يكتفون بتذكير الأطراف بأن الصلح خير، وأن تسوية معقولة تقبلها الأطراف اليوم خير من حُكْم بعيد لا يدري أحد أيّ الكفتين تكون لديه الراجحة. كاتب مصري

مشاركة :