.. عاش الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي فيما بين 450هـ و 505هـ فعمره كان بين الخمسين والستين لكنه أنتج لأمته مؤلفات عظيمة في فقه الإمام الشافعي وفي الفلسفة وفي الرد على الفلاسفة وكان أعظم كتبه هو (إحياء علوم الدين). وفي يفاعته هجم قطاع الطرق على قافلة كان هو فيها فأسروا الرجال وأخذوا ما معهم، وفيما هو جالس ينظر إلى اللصوص قام أحدهم فتوضأ وصلى، فعجب منه أبو حامد وقال له : تصلي وأنت قاطع طريق المسلمين ؟ فقال له : صلة بيني وبين ربي أحافظ عليها. ثم أطلقوا سراحهم.. قال : فتذكرت أنهم أخذوا علي خريطتي .. وهذه كيس يضع فيها كتبه.. فقال فرجعت إليهم وقلت لهم : خريطتي لا تفيدكم بشيء أعيدوها إلي. فقال له رئيسهم : وماذا في الخريطة ؟ قال : قلت : كتبي: علوم درستها وهي محفوظة في هذه الخريطة. فقال رئيس العصابة : وإذا ضاعت الخريطة ضاعت علومك ؟ وأعادوا الخريطة إلي .. قال الغزالي فكان هذا درسا هيأه لي الله فصرت كلما علمت شيئا حفظته في صدري. واستمر في دراسته واجتهاده في التحصيل بلا كلل ولا ملل ولا فتور حتى أصبح إماما في الظاهر إماما في الباطن.. لكنه لاحظ انتفاش الفلسفة وكتب الفلاسفة فخاض فيها دراسة وتبحرا ثم قام بعد ذلك بتأليف الكتب في الرد عليها ودحض الشبه التي فشت في كتب الفلاسفة. وعرف الناس علمه وفضله وعينه الحاكم ببغداد مدرسا بالمدرسة النظامية. وبعد سنوات عزف عن العمل الحكومي إذا صح التعبير وخرج من بغداد خفية ووصل إلى دمشق في ثياب رثة حتى لا يعرفه أحد.. وعاش هناك عشر سنوات. وقد كتب الشيخ علي الطنطاوي ــ رحمه الله ــ قصته في كتاب (رجال من التاريخ). وروي أنه وصل إلى دمشق متنكرا، وأخذ يعمل في تنظيف المراحيض في المساجد ، وشاء الله أن قرويا جاء إلى العلماء يسألهم في قضية فلم يستطيعوا الإجابة عليه. فقال له الغزالي : ما عندك ؟ فقال القروي : عجز العلماء عنها وأنت تريد حلها ؟ قال : هاتها فحكى له القروي قضيته.. فما أسرع ما حلها له فرجع القروي إلى العلماء وقال لهم : أنتم لم تعرفوا الجواب وقد عرفه هذا العامي. فسارع العلماء إليه واستحلفوه أن يخبرهم من هو. فأخبرهم. فطلبوا منه أن يعقد لهم مجلسا من الغد، وفي ظلام الليل غادر الغزالي المدينة. وحج.. وفي أثناء الطواف لقي صاحبه قاطع الطريق وسأله : أأنت ذلك الرجل ؟ فقال : أما قلت لك الصلاة صلة بيني وبين ربي.. فقد تبت والحمد لله. السطـر الأخـير : غزلت لهم غزلا رقِيقا فلم أجِد لِغزلِي نساجا فكسرت مِغزلِي.
مشاركة :