بنك إنجلترا.. وفقدان مصداقية السياسة النقدية

  • 9/26/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كريس جيلز * نجح صناع السياسة النقدية في بريطانيا في آخر استعراض لهم حول التشدد، بعد اجتماعهم يوم الخميس الماضي، حيث أعلنوا للشعب البريطاني صراحة أن الناس أصبحوا أكثر تقبلاً لفكرة بقاء معدلات أسعار الفائدة قريباً من الصفر إلى ما لا نهاية. وجاء في البيان الذي صدر عن اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي البريطاني، أن سحب جزء من برنامج التحفيز المالي يرجح أن يكون قائماً خلال الأشهر القليلة المقبلة، بهدف إنعاش التضخم ورفعه إلى المستوى المستهدف. ويحاكي البيان لهجة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولهجة البنك المركزي الأوروبي، في التحضير للقرارات المنتظرة برفع أسعار الفائدة قبل نهاية العام.وقد أثارت كلمات البيان ذعر أسواق المال، لكن التقليد القديم في بريطانيا يوحي بأن مثل هذه الزوابع سرعان ما تخبو، حتى بات الناس مقتنعين بأن البنك المركزي ينبح لكنه لا يعض.وما إن تسلم مارك كارني منصب حاكم البنك المركزي، حتى أعلن عن دراسة احتمال رفع أسعار الفائدة عندما تهبط معدلات البطالة دون 7%. ويعتقد البنك أن البطالة عند هذا الحد ترتبط بقوة باستقرار معدلات التضخم. وقد هبطت معدلات البطالة إلى 4.3%، ومع ذلك ما تزال أسعار الفائدة أدنى حتى اليوم مما كانت عليه عام 2013.بعد مضي عام على وجود كارني في المنصب، أعلن عن أن أسعار الفائدة سترتفع أسرع مما تظن الأسواق. وكانت التوقعات تشير إلى أن أسعار الفائدة ستلامس حدود 2.5%، بحلول خريف هذا العام. وبما أنها ما تزال عند 0.25%، فقد تبين سوء تقدير الأسواق، وسوء فهم حاكم البنك المركزي أيضاً.وكان كارني قد أعلن بوضوح عام 2015 عن أن أسعار الفائدة سترتفع قبل نهاية العام، ولكنها حتى اليوم ما تزال على حالها. وبما أن البنك كرر تلك الوعود مراراً، فقد بات السؤال اليوم عما إذا كانت فعاليات الأسواق تصدق ما يصدر عنه أم لا. ولا شك أن ارتيابها له ما يبرره. فلم يثبت البنك المركزي خلال السنوات الأربع الماضية مرة واحدة، أنه يعتزم تشديد سياسته النقدية أياً كانت الظروف، سواء عندما انتعش النمو الاقتصادي، أو عندما تجاوزت توقعات التضخم 2%، وحتى عندما تجاوزت ذلك الحد وسط توقعات باستقرارها فوقه. وكانت لجنة السياسات النقدية تجد في كل مرة أعذاراً لتأجيل رفع الفائدة.ويستحق أعضاء لجنة السياسة النقدية الشفقة أكثر من الازدراء، فمهمتهم هي ضبط التضخم لكن المجسات التقليدية التي ترشدهم إلى توقيت رفع أسعار الفائدة معطلة. فقد تعطلت الصلة بين معدلات البطالة ومستويات الأجور بشكل كلي، ليس فقط في بريطانيا. ومهما بدا سوق العمل قوياً، يبدو أن الأجور ملتصقة بمعدلات النمو الاقتصادي، التي تراوح مكانها دون 2%. ولم تعد معدلات النمو ظاهرياً قادرة على دفع التضخم صعوداً منذ أكثر من عشر سنوات، بما ينعش الثقة التي تدفع لرفع أسعار الفائدة، كما أن تأثير أسعار الفائدة على النمو الاقتصادي والوظائف لم يعد واضحاً حتى عن بعد، ولهذا فإن تأثيرها على التضخم صار أكثر غموضاً.وحتى في حال تبنّي البنك المركزي نهجاً أكثر جرأة قائماً على التعرض لدرجة أعلى من المخاطر، فإن ذلك لا يتيح إمكانية التوجيه الواضح على المسار المفيد لأسعار الفائدة صعوداً أو هبوطاً. فرفع أسعار الفائدة في ظل مؤشرات الضغوط التضخمية، يحرم الأسر والشركات من جزء من الدخل ومن الازدهار.والحفاظ على معدلات أسعار الفائدة عند 0.25%، يعرض لخطر انعدام التوازن وهشاشة الاقتصاد، حتى في حال بقيت معدلات التضخم تحت السيطرة.ونظراً لالتزام غالبية أعضاء لجنة السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة، ما لم تكشف بيانات الأداء الاقتصادي عن تراجع أو ضعف، فقد وضعت اللجنة مصداقيتها قيد الاختبار. ورفع أسعار الفائدة لمجرد تأكيد مصداقية اللجنة قد يكون التبرير الأسوأ لتحركها لتغيير السياسة النقدية. وسيكون شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، موعداً مناسباً لتحرك اللجنة وتبرير تحركها، ولو نحو المجهول، سواء كان بضمانات أو بدونها.* كاتب في فاينانشيال تايمز

مشاركة :