انتشرت رسائل التضامن على وسائل التواصل باللغة العربية، ويقول بعضها: «أنا مسلم وأنا أتضامن مع إخواني المسلمين في بورما»، و«بورما هي قضيتي»، و«صلوا من أجل الروهينغا». ويتم تداول صور ضحايا العنف في بورما من الأطفال والنساء في القرى المحترقة، مع مطالبات بالضغط على الأمم المتحدة والحكومات من أجل وقف مأساة الأقلية المسلمة. وفي خطبة الجمعة في مساجد عدة عبر أنحاء العالم العربي، كان الدعاء للمسلمين في فلسطين وسورية والعراق وليبيا واليمن، وكذلك بورما، أما الجمعة الأخيرة فكان التركيز فيها على محنة الروهينغا، ليكون الموضوع الرئيس للخطبة. دعم وتضامن إن العنف الذي ترتكبه الدولة في ميانمار (بورما)، والذي أفادت التقارير بأنه أدى إلى مقتل أكثر من 1000 شخص وطرد 370 ألف مسلم إلى بنغلاديش المجاورة، قد لفت انتباه العالم العربي، ما أدى إلى تدفق نادر من الدعم والتضامن والنشاط. وفي الأردن وحدها، نظم أخيراً احتجاجان على مدى خمسة أيام: الأول أمام مقر الأمم المتحدة في عمان، والثاني في بلدة معان الحدودية الصحراوية التي تبعد نحو 250 ميلاً عن الجنوب. ويوم الاثنين، احتج عشرات الفلسطينيين في إسرائيل أمام بوابة سفارة ميانمار في تل أبيب. لا أحد يعلم ما إذا كان هذا الحراك الشعبي يمكن أن يدفع الحكومات العربية لإقحام نفسها في صراع ليس لديها فيه مصالح مباشرة، ولكن اتساع الدعم التلقائي للروهينغا هو أمر ملحوظ في حد ذاته، وقد كان هذا الحجم العاطفي مخصص في معظمه لمحنة الفلسطينيين الذين كان نزوحهم وحلمهم لعقود بإقامة دولتهم من القضايا القليلة التي لها قوة لتوحيد العالم العربي والإسلامي. ومع ذلك، كيف قفزت محنة المسلمين الروهينغا إلى الصدارة في منطقة تعاني صراعات عنيفة وأزمات إنسانية حادة؟ ربما يكون أحد العوامل الرئيسة في هذا الاهتمام هو التغطية الإعلامية الواسعة، وفي ذلك يقول المحلل السياسي الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية، عبدالخالق عبدالله: «كلما عرفنا أكثر عن الفظائع التي ارتكبت، زاد التعاطف الذي نراه»، متابعاً: «تتوالى التقارير كل يوم، والجميع يركز الآن على هذه الأزمة، ومن الطبيعي أن يتعاطف الناس، مسلمين أو غيرهم، معهم». التحرك الواسع لدعم مسلمي ميانمار يبدو أنه قلل حتى من متابعة ما يجري في اليمن والعراق، وحتى الاهتمام بالعنف المستمر في سورية. قضية جميع المسلمين قضية الروهينغا لم تتأثر بالفوارق الطائفية والسياسية التي ترسم المنطقة، ما يجعلها مسألة تتجاوز الحواجز التي يمكن للعرب والمسلمين أن يتأرجحوا وراءها. 400 ألف لاجئ فرّ أكثر من 400 ألف لاجئ من الروهينغا إلى بنغلاديش منذ أواخر أغسطس خلال أعمال العنف في ولاية «راخين» بميانمار، وقد قدمت صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة التي نشرتها منظمة العفو الدولية دليلاً على أن قوات الأمن تحاول دفع مجموعات من الأقلية المسلمة إلى خارج البلاد. وذكرت التقارير أن أزمة الروهينغا قد أسفرت عن مصرع مئات الأشخاص، بمن فيهم الأطفال والنساء. وقد غرق العشرات من اللاجئين عندما انقلب قاربهم في المياه الضحلة، بسبب الحمولة الزائدة. ويعتبر شعب الروهينغا، وهي أقلية مسلمة في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، من أكثر الشعوب تعرضاً للاضطهاد في العالم، وتعتبر ميانمار أنهم «متسللون» بنغال، في حين تقول بنغلاديش إنهم بورميون. وقد اندلع خلاف دبلوماسي بين الأخيرة وجارتها، بسبب تدفق مئات الآلاف من اللاجئين من مسلمي الروهينغا الفارين من ميانمار عبر الحدود بين البلدين، وتتهم بنغلاديش حكومة ميانمار بالعديد من الانتهاكات. إلى ذلك، قالت المفوضية العليا للاجئين ومقرها جنيف، إن الأزمة الحالية ترتب عليها احتياجات إنسانية كبيرة بمنطقة استقبال النازحين في بنغلاديش، التي ضربتها فيضانات حديثة، وهي ليست مجهزة لاستقبال عدد كبير من القادمين الجدد. يقول محللون محليون إن ميانمار أخذت الأولوية من الصراعات الإقليمية في المنطقة العربية لسبب ما، وقد صورت وسائل الإعلام العربية الصراع في اليمن وسورية والعراق من خلال عدسة طائفية أو سياسية، وتم تحويل الصراعات والأزمات الإنسانية ذات الصلة وفق الأطياف السياسية والدينية: سنية مقابل شيعية، وإسلامية مقابل علمانية، وغيرها، وقد أدى ذلك إلى تقسيم الرأي العام العربي، وأحياناً إلى معلومات خاطئة حول العنف الذي يستهدف أوطانهم. لكن قضية الروهينغا لم تتأثر بالفوارق الطائفية والسياسية التي ترسم المنطقة، ما يجعلها مسألة تتجاوز الحواجز التي يمكن للعرب والمسلمين أن يتأرجحوا وراءها. وفي ذلك يقول المحلل السياسي بمركز القدس للدراسات السياسية في عمان، عريب الرنتاوي: «بسبب الانقسامات الطائفية ووسائل الإعلام المؤثرة من قبل الحكومات، فقد تم غسل عقول الناس بهذه الروايات حول المنطقة، والتي لا يتم تطبيقها على (قضية) الروهينغا». مع معاناة العرب من سلسلة من النزاعات وأزمات اللاجئين على مدى العقود الماضية، فإن صور الروهينغا وهم يسيرون حفاة حاملين ممتلكاتهم على ظهورهم تعد أمراً مألوفاً جداً. لقد كان الفلسطينيون والأردنيون الأكثر نشاطاً من حيث الاحتجاجات والحشد على وسائل الإعلام الاجتماعية. ويقول الرنتاوي: «إن الفلسطينيين يعرفون أكثر من أي شخص آخر معنى الوجود في المخيمات، وأن يتعرض شعب للتهجير من أراضيه، ويمكن أن يقال الشيء نفسه بالنسبة للأردنيين وغيرهم ممن شهدوه»، مضيفاً أن «لدى هؤلاء ذاكرة تاريخية راسخة عن الاقتلاع من الجذور والتطهير العرقي، ويبدو أن هذه الأزمة استدعت هذه الذاكرة». ضغط محدود ومع ذلك، في حين تم دفع الرأي العام العربي للتحرك بفضل أزمة ميانمار، فإن استجابة الحكومات العربية كانت «مخيبة» في أحسن الأحوال، كما يقول مراقبون ومثقفون في المنطقة. وقد استغرق الأمر أياماً، وفي بعض الحالات أكثر من أسبوع، للحكومات العربية للتنديد بالفظائع التي ترتكب ضد الروهينغا، ولم تكن هناك دعوات لعقد جلسة طارئة للجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، أكبر هيئة إسلامية في العالم، في حين كان الضغط الدبلوماسي محدوداً. تاريخياً، كانت المملكة العربية السعودية الدولة العربية الوحيدة التي تدعم علانية الروهينغا، وأثناء عمليات القمع السابقة في حق هذه الأقلية، فتحت المملكة أبوابها أمام 250 ألف مسلم بورمي، وفي عام 2012 قام الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بتقديم تصاريح إقامة مجانية للمهجرين البورميين داخل السعودية، ما أتاح لهم الحصول على التعليم المجاني والرعاية الصحية والتوظيف، لكن المملكة لم توضح بعد إن كان الاستقبال سيشمل الروهينغا الفارين من العنف الحالي. وقد انتقد كتاب الأعمدة - وهم من أكثر الصحافيين تأثيراً في وسائل الإعلام العربية والمناقشات العامة - الحكومات العربية، لفشلها في القيام بدور أكبر في إنهاء سفك الدماء، فقد طالب بعضهم منظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، والدول التي تقود العالم الإسلامي اليوم مثل تركيا والسعودية، بأن تلعب دوراً رائداً لإنقاذ هؤلاء الفقراء من «إبادة قاسية». وفي صحيفة «الدستور» الأردنية، يتساءل ياسر الزعاترة: «لقد كانت هناك إدانة خجولة لما يجري.. لماذا يتجاهل المجتمع الدولي هذه الجرائم ولا يفرض عقوبات على (حكومة) ميانمار؟». إن ما يثير غضب المواطنين العرب هو قيام قطر بتقديم 30 مليون دولار لدعم الإغاثة الأميركية لضحايا إعصار «هارفي» في تكساس، بينما قدمت حتى الآن 100 ألف دولار فقط إلى الروهينغا. مساعدات عاجلة استجابة لنداءات جماهيرها الغاضبة، بدأت الحكومات العربية، الأسبوع الماضي، بإرسال مساعدات عاجلة إلى اللاجئين الروهينغا، وتضمنت المساعدات خياماً لتوفير المأوى للأسر اللاجئة في بنغلاديش المجاورة، كما تم إرسال فرق لإنشاء عيادات متنقلة وخزانات مياه. يذكر أن السعودية استثمرت ملايين الدولارات في البنية التحتية النفطية في ميانمار، ومن المقرر أن تستخدم خط أنابيب النفط الذي تم إنجازه أخيراً لتوفير المزيد من النفط للصين. وقال محللون وناشطون إن علاقات الرياض مع القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة، وكذلك مع الجارتين باكستان وبنغلاديش، يمكن أن تسهل المساعي الدبلوماسية المكثفة لوقف العنف وتحسين ظروف اللاجئين. ونظراً لأنها من أكثر دول العالم ثراء وأشدها تأثيراً، يقول مواطنون وناشطون، إنه يتوجب على الدول العربية الغنية أن تستخدم نفوذها لوقف سفك الدماء، وفي ذلك يقول المحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله: «يجب أن تكون الدول العربية في الطليعة، وممارسة المزيد من الضغط في الأمم المتحدة وعواصم العالم»، متابعاً: «لكننا نأمل أن نرى ذلك يتطور إلى استجابة دولية».
مشاركة :