أكد الهاشل أن المجتمع التنظيمي العالمي استطاع من خلال الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية، وضع الحمايات المهمة للتخفيف من مخاطر أي أزمات مماثلة في المستقبل. قال محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل إن الحكومة اتخذت مجموعة من الخطوات الإيجابية وإن كانت صعبة، إلا أنها ضرورية لتحسين مرونة ومتانة الاقتصاد الكلي وتقوية استدامة المالية العامة، ولكن لا تزال الحاجة قائمة لتحقيق مزيد من التقدم على كثير من الصعد الهيكلية. وأضاف الهاشل أن ترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات غير النفطية، واصلاح سوق العمل، وزيادة دور القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد بوجه عام هي بعض من المجالات الأساسية التي لا تزال تتطلب عناية مستمرة، وهنا تكمن الفائدة من المصدات المالية الكبيرة للدولة والتي تسمح بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بشكل تدريجي شريطة المحافظة على استمرارية هذه الإصلاحات. وأوضح «أننا من هذا المنطلق ندرك أن واجبنا في الحفاظ على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي ليس هو الهدف النهائي في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غاية مهمة، ألا وهي ترسيخ النمو وتحقيق الرخاء الاقتصادي، حيث يلعب القطاع المالي دوراً هاماً لبلوغ تلك الغاية». ذكرى الأزمة المالية وقال الهاشل: «يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للأزمة المالية العالمية التي أوقدت شرارتها الأولى أزمة قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة، والتي ما لبثت أن انتشرت عدواها لتطال جزءاً كبيراً من النظام المالي العالمي، ولا شك فإن الانهيار المالي الذي أعقب تلك الأزمة ترتب عليه عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، حيث شهد الناتج العالمي تراجعاً حاداً، وتباطؤاً ملحوظاً في معدلات النمو، وارتفاعاً كبيراً في مستويات البطالة في شتى دول العالم، وعلى وجه الخصوص في الاقتصادات المتقدمة». وبيَّن أنه ضمن هذا السياق، تشير بعض التقديرات إلى أن الخسائر التراكمية منذ اشتعال فتيل الأزمة المالية العالمية قد بلغت نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، علماً بأن هذه التقديرات لا تشمل التكلفة الاجتماعية الناتجة عن ارتفاع معدل البطالة وخسارة الناتج، مشيراً إلى أن قطاع الخدمات المالية العالمية تعرض لاهتزاز ثقة الجمهور، فالانحراف في السلوك المهني واختلال الهياكل التحفيزية أديا إلى العديد من التجاوزات في العمل المالي، مما أدى إلى زعزعة ثقة الجمهور، وتكبد خسائر جسيمة في السمعة المالية. وتساءل الهاشل: «كيف يمكننا الآن الاستفادة من كل تلك التجارب في تجنب تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً؟»، مجيبا على تساؤله بأن المجتمع التنظيمي العالمي استطاع من خلال الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية، وضع الحمايات المهمة للتخفيف من مخاطر أي أزمات مماثلة في المستقبل، وإذا كان النظام المصرفي في الكويت قد ظل بمنأى عن عواقب الأزمة المالية العالمية، فإن ذلك لم يمنع بنك الكويت المركزي من مواصلة جهوده في تنقيح وتحديث التعليمات والضوابط الحالية، وإصدار مجموعة من القرارات والإجراءات الرقابية الجديدة التي تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية». نظام رقابي قوي وقال الهاشل إن بنك الكويت المركزي اتخذ بعض الخطوات على الجانب الرقابي، والتي استجابت لها البنوك الكويتية، وهي: أولاً- لقد قمنا بتعزيز معيار كفاية رأس المال من خلال رفع النسبة الرقابية مع تحسين جودة رأس المال المطلوب. وكما جاء في تقرير الاستقرار المالي لعام 2016، فقد بلغ معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي الكويتي نسبة 18.6 في المئة، وهي أعلى من النسبة المقررة من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية، كذلك شملت إجراءاتنا وضع هوامش إضافية في صورة مصدات رأسمالية تحوطية ومصدات رأسمالية لمواجهة التقلبات الدورية ونسبة رأسمال إضافية تصل إلى 2 في المئة للبنوك المحلية ذات الأهمية النظامية، وتهدف هذه المصدات المالية إلى رفع قدرة البنوك على التصدي للمخاطر النظامية. ثانياً- قمنا أيضاً بتطبيق معيار مبسط للرفع المالي لمساندة معيار كفاية رأس المال، ويبلغ معدل الرفع المالي للبنوك الكويتية 10.1 في المئة، وهو ما يفوق النسبة العالمية المقترحة والبالغة 3 في المئة. ثالثاً- عمدنا إلى تعزيز قدرة البنوك على مواجهة ضغوط السيولة، وإضفاء مزيد من الاستقرار في هياكلها التمويلية عن طريق تطبيق معيارين جديدين للسيولة هما: معيار تغطية السيولة، ومعيار صافي التمويل المستقر. وقياساً بأي من هذين المعيارين، فإن البنوك الكويتية تتجاوز الحد الأدنى للنسب الرقابية المقررة. رابعاً- استمر التحسن الملحوظ في جودة الأصول لدى البنوك، والذي يعكسه تراجع معدل القروض غير المنتظمة بشكل ثابت ليصل إلى مستوى تاريخي منخفض بلغت نسبته 2.2 في المئة. كما ترافق ذلك مع إجراءات لضمان تكوين البنوك مخصصات كافية، بناء على تحليل شمولي للبيانات، مما ترتب عليه ارتفاع معدل التغطية (المخصصات المتوفرة إلى القروض غير المنتظمة) لمستوى قياسي بلغت نسبته 237 في المئة. وفي الوقت الذي كانت فيه البنوك في العديد من الاقتصادات المتقدمة تجاهد في سبيل تحقيق أرباح، استمر نمو صافي أرباح البنوك الكويتية بمستوى جيد. وأضاف الهاشل أن تلك المؤشرات إن دلت على شيء، فإنما تدل على قدرة البنوك الكويتية على ممارسة دورها كوسيط ائتماني لتحقيق هدف نهائي وهو دعم النمو الاقتصادي، «وهذا ما يعزز اعتقادنا بأن سلامة نظامنا المصرفي لم تساعد البنوك على مواجهة التحديات في البيئة الكلية فحسب، وإنما ساهمت كذلك في تعزيز قدرتها على مواصلة تحقيق أهدافها الأساسية، والمركزي لا يتبع دائماً قاعدة «الأعلى هو الأفضل في التعليمات التي يصدرها، بل يسعى لاتباع إجراءات تتسم بالحصافة والتوازن، حيث نقوم بحرص شديد بقياس تكلفة كل إجراء مقابل المنافع المتوخاة منه، وفي نهاية الأمر، فإن ما نصبو إليه ليس فقط المرونة وإنما المرونة بكفاءة، وفي الوقت ذاته، نسعى لتصميم وبناء نظام رقابي قادر، في أحسن الأحوال، على تجنب أي اضطرابات مالية، ويحد، على الأقل، من احتمالية التسبب في وقوع الأزمات. المخاطر الناشئة وأضاف الهاشل أن بيئة الأعمال المتغيرة بشكل دائم والنظام المصرفي الذي يتسم بالديناميكية يتطلبان منا الحيطة والحذر من المخاطر المحتملة. وقال إن «المحرك الرئيسي لهذا التغيير يكمن في الأثر المتنامي للتكنولوجيا الحديثة في حياتنا، وإنه من الواضح أن القطاع المالي لم يكن بعيداً عن تلك التطورات، بل كان في صميمها وقد اعتمد عليها واستفاد منها بشكل كبير كما يبدو جلياً من الدور المتزايد لشركات التكنولوجيا المالية أو Fintechs في سلسلة الخدمات المالية. ولقد توسع استخدام التكنولوجيا المالية متجاوزاً الحدود الدولية، وأضحى استعمال شركات تشغيل الهواتف النقالة والهويات الرقمية وسيلة لتنفيذ عمليات الدفع، وتجميع المدخرات، والحصول على الائتمان والتأمين، وهي منتجات لم تكن في المتناول بهذه السهولة قبل عقد مضى. كما أصبحت التكنولوجيا وسيلة لدعم إيصال الخدمات المالية الرسمية للملايين من العملاء الذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية». في الإطار ذاته، قال إن تقبُّل وتطبيق المزيد من الابتكارات الأخرى في مجال إدارة المحافظ المالية، والتمويل الجماعي، والمستشارين الآليين من شأنه العمل على إعادة تشكيل الطريقة التي يتم فيها تحويل الأموال أو دفع الفواتير أو الحصول على الائتمان أو الدخول في الاستثمارات. وأضاف أن البنوك المركزية تواجه تحدي تحقيق توازن دقيق يتمثل في تحديد المدى الذي يمكن بلوغه في تبني التكنولوجيا المالية دون أن يكون ذلك على حساب أمن وسلامة واستقرار النظم المالية. فمن جانب، اقترح رئيس البنك الاتحادي الألماني على البنوك المركزية النظر في إصدار عملات رقمية خاصة بها، ومن جانب آخر نجد أن الحوادث الأخيرة مثل الهجمات الإلكترونية على شركة التقارير الائتمانية «إكويفاكس» والتي أدت إلى تسريب بيانات 143 مليون مستهلك أميركي خير دليل على تأكيد تلك المخاطر المرتبطة بالتطورات التكنولوجية. وأوضح أنه لمواجهة هذه المعضلة، قام «المركزي» بتطبيق منهج البيئة التجريبية «Regulatory Sandbox» لتوفير بيئة الاختبار اللازمة للمنتجات والخدمات المبتكرة، مستخدماً أسلوباً يتميز «بالتمكين والملاءمة»، حيث نستخدم إجراءات ذات صفة متدرجة لإصدار القواعد وذلك وفقاً للمخاطر التي تنطوي عليها، ولكي نضمن نجاح هذه الإجراءات، فإننا نرى ضرورة جمع كافة الأطراف المعنية بهذا الموضوع، ولا يقتصر ذلك على المؤسسات المالية وإنما كذلك شركات التكنولوجيا المالية صاحبة المنتجات المبتكرة. كما ترتكز هذه الجهود المشتركة على إعطاء فرصة لمقدمي الحلول الإلكترونية المبتكرة لطرح ما لديهم من ابتكارات، وذلك في إطار منهجية لا تعرض النظام المالي بأكمله للمخاطر خلال المراحل الأولى من الاكتشاف والتطوير. واشار الهاشل إلى الجهود الكبيرة والمتواصلة التي بذلها بنك الكويت المركزي للمحافظة على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في الأوقات العصيبة. ورغم أن القطاع المصرفي القوي والمتين يعتبر ركيزة من ركائز هيكل الاقتصاد الوطني، إلا أن استقراره وسلامته، وإن كان ضرورياً، ليس كافياً أو بديلاً عن الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، «ومن جانبنا، سوف نظل في بنك الكويت المركزي، وكما قال تشرشل، يقظين حتى أنامل أصابعنا». النظام المصرفي يقاوم هبوط أسعار النفط أكد الهاشل أن النظام المالي هو حلقة الوصل بين المدخرين والمستثمرين، ويقوم بدور محوري في استقطاب وتوجيه الموارد المالية ضمن أولويات تستهدف دفع عجلة النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف، مبيناً أنه نظراً للارتباط الوثيق بين النظام المالي والاقتصاد الأوسع نطاقاً، فمن البديهي أن يكون لضعف البيئة الاقتصادية بالتبعية أثر على استقرار النظام المالي. وأضاف الهاشل: «حتى تاريخه، تمكن نظامنا المصرفي من مقاومة تبعات هبوط أسعار النفط، وعلى امتداد أكثر من ثلاث سنوات مليئة بالتحديات، استطاعت البنوك الكويتية المحافظة على سلامتها واستقرارها، بل وتمكنت أيضاً من تطوير قدراتها وتعزيز مرونتها على مقاومة الصدمات، وعلى الرغم من تلك الإيجابية، إلا أنني أود إعادة التأكيد بأن قدرة البنوك في المحافظة على قوتها ومرونتها لا يجب النظر إليها كأمر مفروغ منه ودائم، ذلك أن ضعف البيئة الاقتصادية سيؤدي في نهاية المطاف إلى ضغوط على استقرار النظام المصرفي».
مشاركة :