الأزمة الكورية وخيارات واشنطن المحدودة

  • 9/28/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد قنديل *في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كوريا الشمالية بـ«تدميرها بالكامل» إذا شكّل نظامها، الذي وصفه بـ«الانتحاري» و«الفاسد» و«الشرير»، خطراً على الولايات المتحدة أو حلفائها. كما شن الرئيس الأمريكي أيضا هجوماً على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون الذي وصفه ساخراً بـ«الرجل الصاروخ» لقيامه بالتجارب الصاروخية، مشيراً إلى أن الرئيس أون انطلق في «مهمة انتحارية له ولنظامه».في خطابه حثّ ترامب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على عزل النظام الحالي لكوريا الشمالية، حتى يتوقف عن سلوكه العدائي واستفزازاته الخطيرة. ورداً على تهديدات الرئيس الأمريكي، وفي بيان نادر، هدد الرئيس أون بأن بلاده ستدرس «أعلى مستويات الإجراءات المضادة القوية في التاريخ» ضد الولايات المتحدة، واصفاً الرئيس ترامب بأنه «مختل عقلياً»، وقال البيان إن تصريحات الرئيس الأمريكي هي «أشرس إعلان للحرب في التاريخ» وإن خطاب ترامب بالأمم المتحدة أكد أن برنامج بيونج يانج النووي هو «المسار الصحيح». وقال الرئيس أون، في البيان المذكور، «كرجل يمثل جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ونيابة عن وباسم كرامة وشرف دولتي وشعبي ونفسي، سأجعل الرجل الذي يتولى سلطة القيادة العليا في الولايات المتحدة يدفع ثمن خطابه غالياً».ومن ناحيته، شن وزير خارجية كوريا الشمالية، ري يونج هو، هجوماً لاذعاً على الرئيس الأمريكي في خطابه أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، ووصفه بأنه «شخص مختل عقلياً ومصاب بجنون العظمة»، مشيراً إلى أن الرئيس ترامب هو الذي يشكل اليوم «أكبر تهديد للسلام». كما انتقد وزير خارجية كوريا الشمالية ما أصدره مجلس الأمن من عقوبات ضد بلاده، ومما سماه تعنّت القوى العظمى ضد كوريا الشمالية «وهي تحاول الحفاظ على كرامتها مقابل السياسات العدائية ضدها». ووصف قرارات مجلس الأمن بأنها غير قانونية، وتعكس سيطرة مصالح ورغبات الدول دائمة العضوية، وهي دول لديها أسلحة نووية، مشيراً إلى أن الدول دائمة العضوية لديها مصلحة في الحفاظ على وضعهم النووي الاحتكاري.وقد جاء تبادل الخطابات النارية بين الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية الكوري الشمالي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك هذا العام في وقت لم يسبق لتهديد كوريا الشمالية أن شغل الحيز الذي شغله في هذه الاجتماعات منذ أول تفجير نووي لكوريا الشمالية في عام 2006. حيث اتضح من هذه الاجتماعات بشكل بارز وواضح انقسام قادة العالم حول أفضل السبل لاحتواء بيونج يانج من أجل منعها من الاستمرار في تطوير برامجها النووية والصاروخية، على الرغم من إجماع مجلس الأمن الدولي في أغسطس/آب الماضي وسبتمبر/أيلول الجاري على فرض حزمة عقوبات جديدة على كوريا الشمالية. حيث بدا من المناقشات المكثفة حول الأزمة الكورية تمسك الصين وروسيا، أبرز داعمي نظام كوريا الشمالية، بالدعوة إلى مفاوضات دبلوماسية، وتأكيدهما على أن خيار التحرك العسكري الذي لوح به الرئيس الأمريكي ترامب مراراً سيكون «كارثياً». ومن جانبه، أكد رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إين أن بلاده لا تسعى لدفع كوريا الشمالية إلى «الانهيار»، داعياً إلى خفض التوتر بشأن برنامج بيونج يانج النووي لتفادي «مواجهة عسكرية» قد تندلع عرضاً. لكن الرئيس مون شدّد في المقابل على أن نظام الزعيم الكوري الشمالي يجب أن «يتخلى عن برنامجه النووي بصورة يمكن التثبت منها ولا يمكن العودة عنها»، طالباً من الأسرة الدولية «الرد بمزيد من القوة» من خلال فرض عقوبات ودرس «تدابير أخرى في حال حصول استفزازات جديدة».وبالفعل، اتخذت الإدارة الأمريكية عدة إجراءات مؤخرا، على الصعيدين العسكري والاقتصادي، من أجل إجبار بيونج يانج على عدم القيام بأية خطوات تصعيدية جديدة، كاختبار قنبلة هيدروجينية على سبيل المثال. فمن ناحية، كان هناك استعراض للقوة الأمريكية على أرض الواقع بالقرب من حدود كوريا الشمالية. حيث حلقت قاذفات القنابل الأمريكية من طراز «B - 1B لانسر» مع مقاتلات القوات الجوية الأمريكية من طراز «إف 15 إيجل» عند أقصى حدود المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، في رسالة واضحة مضمونها أن للرئيس الأمريكي خيارات عسكرية كثيرة لمواجهة أي تهديد. وتعد هذه أول عملية تحليق أمريكية فوق المنطقة، منذ أجرت كوريا الشمالية في 3 سبتمبر/أيلول تجربتها النووية السادسة واختبرت صاروخين باليستيين متوسطي المدى فوق اليابان.ومن ناحية أخرى، أشار عدد من المراقبين إلى أن البيت الأبيض يدرس خطة جديدة «الخطة B» بعد ما أدرك أن فرض المزيد من العقوبات لم يؤد إلى تخفيض التوتر والاستفزازات من كوريا الشمالية. وأشار دانيال راسال مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون آسيا أن الرئيس ترامب قد يلجأ إلى توجيه ضربة عسكرية محدودة من أجل إقناع نظام بيونج يانج أن الولايات المتحدة قادرة على استخدام القوة العسكرية، وربما يكون هجوما سيبرانيا لقطع الكهرباء في مدن كوريا الشمالية أو ضرب أحد المواقع التي يجري فيها إطلاق الصواريخ في كوريا الشمالية.وعلى الصعيد الاقتصادي، وبعد أن فرض مجلس الأمن الدولي في 12 سبتمبر رزمة جديدة من العقوبات على كوريا الشمالية، وقع الرئيس ترامب أمرا تنفيذيا جديدا في 21 سبتمبر يستهدف الأفراد والشركات والمؤسسات المالية التي تمول وتسهل التجارة مع كوريا الشمالية. وأعلن الرئيس الأمريكي كذلك أن البنك المركزي الصيني أمر بنوك البلاد بوقف تعاملاتها مع كوريا الشمالية، مرحّبا بهذه الخطوة التي اعتبرها «شجاعة للغاية» و«غير متوقعة». ولم تؤكد بكين في الحال ما أعلنه ترامب في هذا الشأن. ومن جهة ثانية، رحبت الولايات المتحدة بعزم الاتحاد الأوروبي، خلال الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية الأوروبيين في 16 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية رداً على التجربة النووية الأخيرة، تشمل فرض حظر على قيام أي شركة أوروبية بتصدير النفط إلى كوريا الشمالية أو الاستثمار في هذا البلد، وإدراج مسؤولين كوريين شماليين على قائمته «السوداء»، وإجراء خفض إضافي لسقف الأموال النقدية المسموح بإرسالها إلى كوريا الشمالية، البالغ حالياً 15 ألف يورو، وخفض عدد العمال الكوريين الشماليين في الاتحاد الأوروبي، الذين تقدر أعدادهم بما بين 300 و500 يعملون في بولندا.وفي ضوء التلويح باستخدام القوة العسكرية في مواجهة استمرار كوريا الشمالية في تطوير برامجها النووية والصاروخية واستمرار تشديد العقوبات الاقتصادية عليها، سيبقى الوضع خطرا في شبه الجزيرة الكورية. وهنا يكفي أن نتذكر تغريدة الرئيس الأمريكي التي تقول إن «كيم جونج أون مجنون لا يخشى تجويع شعبه وقتله، (وذلك سيجعله) يواجه اختباراً لم يشهد مثله من قبل». * خبير العلاقات الدولية والآسيوية. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة)a.kandil1974@gmail.com

مشاركة :