الأزمة الكورية وفرص محدودة للحل السياسي

  • 7/27/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد قنديل * رغم الانتقادات الواسعة من جانب المجتمع الدولي لكوريا الشمالية لاستمرارها في تطوير برامجها الصاروخية والنووية، التي كان آخرها تجربة إطلاق صاروخ بالستي طويل المدى «هوا صونج - 14» في بداية شهر يوليو/ تموز الجاري، قدم رئيس كوريا الجنوبية مون جاي- إن في 17 يوليو الماضي مبادرة جديدة لاستئناف «الحوار الشامل» مع بيونج يانج من أجل حل الأزمة الكورية. تقوم مبادرة رئيس كوريا الجنوبية الجديدة على شقين، الأول هو عقد محادثات عسكرية بين الكوريتين لتهدئة التوترات على طول الحدود التي تشهد وجوداً عسكرياً مكثفاً، أما الشق الثاني فهو عقد محادثات الصليب الأحمر بين الدولتين في الأول من أغسطس/آب القادم لاستئناف لمّ شمل الأسر المشتتة جراء الحرب الكورية 1950-1953.وجاءت هذه المبادرة، التي تعدّ الأولى من نوعها منذ انهيار العلاقات بين البلدين في ديسمبر/كانون الأول 2015، بسبب استئناف كوريا الشمالية لتجاربها النووية والصاروخية بعد الرسالة التي وجهها الرئيس الكوري الجنوبي إلى نظيره الشمالي في 6 يوليو الماضي من برلين، رمز الوحدة الألمانية، من أجل تحقيق السلام الدائم لشبه الجزيرة الكورية المقسمة. ففي هذه الرسالة، كشف الرئيس مون عن رغبته في أن يكون الحوار بين البلدين شاملاً لكل القضايا ذات الأهمية والمصلحة لكوريا الشمالية، بما في ذلك التوصل إلى معاهدة سلام بين الدولتين، مع تأكيد ضرورة عدم اقتصار هذا الحوار فقط على المسائل النووية والصاروخية.والمبادرة التي صدرت عن الرئيس مون مؤخراً لحل الأزمة الكورية، قوبلت بالصمت والتجاهل التام من جانب قادة كوريا الشمالية، فيما وصف بأنه «ضربة قوية» و«انتكاسة» لمساعي الحل السياسي التي يقودها الرئيس الكوري الجنوبي في مواجهة بيونج يانج. وهذا الصمت والتجاهل فسّره المراقبون بأنه امتداد لمواقف كوريا الشمالية الرافضة للحوار السياسي مع سيؤول في الوقت الراهن باعتباره «هراء» في ظل سياسة المواجهة والعداء التي تتبعها سيؤول ضدهم، وفي ظل التبعية والخضوع من كوريا الجنوبية للولايات المتحدة. وفي هذا السياق، دعت صحيفة «رودونج سينمون»، الصحيفة الرئيسية في كوريا الشمالية، مؤخراً سيؤول إلى رفع العقوبات عن بيونج يانج وإلى فك التحالف الوثيق مع واشنطن، باعتبار ذلك «شرطين مسبقين لفتح الباب أمام المصالحة والوحدة بين الكوريتين».ومن ناحية ثانية، تلقت المبادرة الكورية الجنوبية الجديدة لاستئناف الحوار مع بيونج يانج ضربة موجعة أخرى من جانب حلفاء سيؤول التقليديين، وهما الولايات المتحدة واليابان، اللتان تحفظتا بشدة على هذه المبادرة؛ حيث رأت واشنطن وطوكيو أن استئناف الحوار السياسي في الوقت الراهن مع بيونج يانج لن يكون مجدياً على الإطلاق في ظل تنامي الخطر الكوري الشمالي، خاصة بعد وصول هذا الخطر «إلى مستوى جديد غير مسبوق»، نتيجة الاختبار الأخير الذي أجرته بيونج يانج على إطلاق صاروخ بالستي طويل المدى. وفي هذا السياق، قالت السفيرة الأمريكية نيكي هالي أمام مجلس الأمن الدولي مؤخراً إن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عن البلاد وحلفائها ضد صواريخ كوريا الشمالية، إذا لزم الأمر، لكن إدارة ترامب لا تزال تفضل استخدام نفوذها في التجارة الدولية لمعالجة هذا التهديد المتزايد. ومن جهة ثانية، قامت واشنطن بتمرير مشروع قرار جديد في مجلس الأمن، على الأعضاء الدائمين في المجلس وهم روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، من أجل تشديد العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية. ورغم عدم الإعلان عن مضمون هذا القرار، إلا أن السفيرة نيكي هالي، قالت إن بلادها ترغب في أن يتكاتف المجتمع الدولي في مواجهة كوريا الشمالية من خلال إيقاف تدفق العملات الصعبة إليها، وحظر وصول النفط إلى برامجها العسكرية والتسليحية، وزيادة القيود الجوية والبحرية المفروضة عليها، وإخضاع كبار المسؤولين فيها للمساءلة.ومن ناحيتها، عبّرت اليابان عن عدم سعادتها بالمبادرة الكورية الجنوبية الجديدة لاستئناف الحوار السياسي بشكل منفرد مع بيونج يانج، مشيرة إلى ضرورة عدم تأثير هذه المبادرة على التنسيق الثلاثي بين واشنطن وطوكيو وسيؤول من أجل تشديد الضغوط على كوريا الشمالية للتخلي عن برامجها النووية والصاروخية. كما طالبت اليابان أيضاً الصين، وهي الشريك التجاري الأول لكوريا الشمالية، لكونها مسؤولة عن 90 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية للأخيرة، بلعب «دور أكبر» للضغط على كوريا الشمالية لوقف أعمالها الاستفزازية والإذعان لقرارات الأمم المتحدة.وفي ضوء ردود الفعل غير الإيجابية تجاه المبادرة الجديدة للرئيس الكوري الجنوبي، يمكن القول إنه ليس من المرجح في المدى المنظور أن تتزايد فرص الحل السياسي للأزمة الكورية، وإنما من المتوقع أن تستمر هذه الأزمة معلقة على ما هي عليه في الوقت الحالي، دون تطورها نحو التصعيد والمواجهة العسكرية، نظراً لأن كل الأطراف المؤثرة فيها غير راغبة في وصول الأمور إلى هذا الحد. فالحل السياسي لن يكون مقبولاً أو ممكناً طالما استمرت واشنطن وسيؤول في تصعيد التوتر في المنطقة، من خلال إجراء مناوراتهما العسكرية المشتركة، التي تنظر إليها بيونج يانج باعتبارها تهديداً مباشراً وخطيراً لبقاء النظام الحاكم الحالي فيها. كما أن هذا الحل لن يكون ميسورا أيضاً طالما أصرت الولايات المتحدة على نشر نظام «ثاد» المضاد للصواريخ في كوريا الجنوبية، الأمر الذي تقول الصين وروسيا إنه يهدد أمنهما القومي، ولن يفعل شيئاً لتخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية. وبالإضافة إلى ذلك، لن يكون الحل السياسي للأزمة الكورية ميسوراً أيضاً طالما لم تكن هناك إرادة سياسية واضحة لدى الإدارة الأمريكية الحالية للتوصل إلى هذا الحل. فلا يزال الكثير من الدوائر الأمنية والاستخباراتية الأمريكية والغربية تشير إلى أن كوريا الشمالية لم تمتلك بعد التكنولوجيا الدقيقة التي تسمح لها بإطلاق صاروخ بالستي طويل المدى قادر على حمل رأس نووي وقادر على الوصول إلى الأراضي الأمريكية، وبالتالي لا توجد ضرورة ملحة من الناحية الواقعية إلى استئناف الحوار السياسي مع بيونج يانج في الوقت الحالي. صحيح أن كوريا الشمالية تتقدم بسرعة على هذا الطريق، وربما بصورة أسرع مما كان متصوراً في الماضي، إلاّ أنها لم تصل بعد إلى نهاية هذا الطريق. وفي ضوء ذلك، يرى الكثير من هذه الدوائر أنه ربما يكون من المفيد حالياً، من وجهة نظر المصالح القومية الأمريكية، مزيد من التشدد والحصار والمقاطعة لكوريا الشمالية، على أمل إسقاط النظام الحاكم هناك في وقت قريب، خاصة أن الأوضاع الإنسانية في كوريا الشمالية وصلت إلى مستوى كارثي.*  خبير العلاقات الدولية والآسيوية مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية القاهرة

مشاركة :