أحمد محمد(القاهرة) جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتين لها، فقالت: يا رسول الله، هاتان بنتا ثابت بن قيس- أو قالت سعد بن الربيع- قتل معك يوم أحد، وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما، فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه، فما ترى يا رسول الله؟ فوالله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال، فقال صلى الله عليه وسلم: يقضي الله في ذلك، فنزلت سورة النساء وفيها: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما»، الآية: 11، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي المرأة وصاحبها، فقال لعمهما: أعطهما الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فلك. الأمور الثلاثة قال البغوي، اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالذكورة والقوة فكانوا يورثون الرجال دون النساء والصبيان، فأبطل الله ذلك بقوله: «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون»، وكانت أيضا في الجاهلية وابتداء الإسلام بالمحالفة، قال تعالى: «والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم»، ثم صارت الوراثة بالهجر، قال تعالى: «والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا»، «الأنفال - 72»، فنسخ ذلك كله وصارت الوراثة بأحد الأمور الثلاثة بالنسب أو النكاح أو الولاء، فالمعني بالنسب أن القرابة يرث بعضهم من بعض، لقوله تعالى: «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله»، «الأحزاب - 6»، والمعني بالنكاح، أن أحد الزوجين يرث صاحبه، وبالولاء أن المعتق وعصباته يرثون المعتق. وجملة الورثة سبعة عشر: عشرة من الرجال وسبع من النساء، والأسباب التي توجب حرمان الميراث أربعة: اختلاف الدين، والرق، والقتل وعمي الموت، ونعني باختلاف الدين أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر، والرقيق لا يرث أحدا ولا يرثه أحد لأنه لا ملك له، والقتل يمنع الميراث عمدا كان أو خطأ، ونعني بعمي الموت أن المتوارثين إذا عمي موتهما بأن غرقا في ماء أو انهدم عليهما بناء فلم يدر أيهما سبق موته فلا يورث أحدهما من الآخر. المصلحة ويوصيكم الله في أولادكم، يعهد إليكم ويفرض عليكم في أمرهم إذا متم، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن المتروكات من الأولاد، نساء فوق اثنتين، أي ابنتين فصاعدا، فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت البنت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، آباؤكم وأبناؤكم الذين يرثونكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا، لا تعلمون أنهم أنفع لكم في الدين والدنيا، وأنا العالم بمن هو أنفع لكم، وقد دبرت أمركم على ما فيه المصلحة فاتبعوه، إن الله كان عليما بأمور العباد، حكيما بنصب الأحكام. وقال صاحب المنار، الخطاب في الآية عام موجه إلى جميع المكلفين في الأمة، ويوصيكم الله في شأن أولادكم من بعدكم، أو ميراثهم، وما يستحقونه مما تتركونه من أموالكم، سواء أكانوا ذكورا أم إناثا كبارا أم صغارا، للذكر منهم مثل نصيب اثنتين إذا كانوا ذكورا وإناثا، وهذا التعبير للإشعار بإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع توريث النساء، فكأنه جعل إرث الأنثى مقررا معروفا، وأخبر أن للذكر مثله مرتين، أو جعله هو الأصل في التشريع، والحكمة في جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين هي أنه يحتاج إلى الإنفاق على نفسه، وعلى زوجه، فكان له سهمان، وأما الأنثى فهي تنفق على نفسها.
مشاركة :