يطلق خصوم الإسلام الكثير من الشبهات الحاقدة والأكاذيب ضد الإسلام، مستغلين أحوال المرأة المسلمة وأوضاعها التي لم يحسنوا فهمها على وجهها الصحيح. يتساءلون: لماذا يأخذ الرجل ضِعف المرأة في الميراث؟ ويعتبرون ذلك والعياذ بالله ظلمًا شديدًا للمرأة، وانتقاصًا لحقوقها، ومحاباة للرجل على حسابها. والحقيقة أن نظام «المواريث» الإسلامي نظام رباني، وأن القرآن الكريم حدده تحديدًا دقيقًا تبعًا لحالات التوريث، بما يحقق مصلحة الجميع، وفي مقدمتهم المرأة.إن الإسلام لم يظلم المرأة في الميراث، ولم يجامل الرجل على حسابها، ولم يعتبر الذكورة والأنوثة أساسًا لتحديد أنصبة الميراث، بل نظر إلى أعباء كل وارث، ومسؤولياته.يؤكد الداعية الإسلامي الراحل محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، في كتابه «المرأة في الإسلام» أن المرأة تعيش حياتها كلها في كنف رجل مكفولة منه ومسؤول عنها.. فإن كانت فتاة، فالذي ينفق عليها هو والدها، وإذا فقدت والدها أنفق عليها أخوها، أو عمها أو خالها.فإذا تزوجت فهي مسؤولة من زوجها الذي ينفق عليها، ويوفر لها مقومات حياتها، وعلى أسوأ الأحوال فهي مسؤولة عن نفسها فقط، وليست مسؤولة شرعاً عن أن تنفق على إنسان آخر مهما كانت درجة قرابته.مسؤوليات الرجلويوضح الشيخ الشعراوي أن الرجل له وضع مختلف.. فهو مسؤول شرعًا عن أمه وإخوته، وعندما يتزوج يصبح مسؤولاً عن زوجته.. أما المرأة فيعولها وليها قبل أن تتزوج، ويعولها زوجها بعد الزواج، ثم يعولها أولادها بعد ذلك.ويضيف: إن الله تعالى حين يقنن للبشر إنما يعطي كل ذي حق حقه دون ميل أو تمييز. فإذا قال: «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»... (سورة النساء: 11) فيجب أن نعلم أن هذا الحكم عادل لم يقصد به تفضيل جنس على آخر، لأن الله تعالى الذي خلق الإنسان يعرف ما يصلح لمهمته في الحياة، ولذلك أعطى كل واحد على قدر تبعاته.لقد أعطى الله سبحانه وتعالى الذكر «نصيبين» لأنه يتزوج ويعول أنثى، وأعطى الأنثى «نصيبا» واحداً، لأن غاية ما ستتحمله وفي أقسى الظروف هو أن تقيم حياتها، أو تنفق على نفسها، ولكنه ميزها ولم يرد أن يحرمها.إن الإسلام حفظ للمرأة حقها في الميراث رغم أن هناك رجلاً سيعولها ويكفلها وينفق عليها.أصحاب الفروضويقول الدكتور شوقي الساهي، الرئيس الأسبق لقسم التربية الإسلامية بكلية التربية الأساسية بدولة الكويت: من الحقوق التي منحتها الشريعة الإسلامية للمرأة حقها في الإرث من أقاربها عند وفاتهم، مصداقا لقوله تعالى: «للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا»... (النساء: 7).ويقول في كتابه «الحقوق الزوجية للمرأة»: «لقد تولى الله تعالى بنفسه توزيع التركات بين الأقرباء على أسس موضوعية عادلة من دون تحيز إلى جنس دون جنس، مراعيا في ذلك مدى الحاجة ومقدار التكاليف المالية التي يتحملها الشخص، ولما للمواريث من أهمية خاصة في حياة البشر».ويلفت إلى أن القرآن الكريم عندما ذكر أصحاب الفروض ذكر اثني عشر فردا، ثمان من الإناث وأربعة من الذكور. والنساء هن: الأم، والجدة، والزوجة، والابنة، وابنة الابن، والأخت الشقيقة، والأخت من أب، والأخت من أم. أما الذكور أصحاب الفروض، فهم: الأب، والجد، والزوج، والأخ لأم.وبنظرة سريعة لهذا التقسيم، نجد أن الشريعة الإسلامية بسطت حمايتها في إعطاء حق الميراث على شريحة من النساء أكبر من الرجال، على عكس ما كان عليه الحال في الحضارات والشرائع القديمة وعند العرب في الجاهلية الذين كانوا يقصرون الميراث على الرجال فقط.تفرقة عادلةويتوقف الدكتور الساهي أمام قضية مهمة بقوله: «إن الشريعة الإسلامية جعلت نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى في حالات قليلة بقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»... (سورة النساء: 11).ويشدد على أن الشريعة الإسلامية بنت هذه التفرقة في الميراث على أساس التفرقة بين أعباء الرجل الاقتصادية في الحياة وأعباء المرأة، فمسؤولية الرجل في الحياة من الناحية المادية أوسع كثيرا من مسؤولية المرأة، فالرجل هو رب الأسرة، وهو القوّام عليها، والمكلف بالإنفاق على جميع أفرادها بالفعل إن كان متزوجا، أو سيصبح مكلفا بذلك بعد زواجه، في حين أن المرأة لا تكلفها الشريعة الإسلامية حتى الإنفاق على نفسها، فكان من العدالة أن يكون حظ الرجل من الميراث أكبر من حظ المرأة، حتى يكون له في ذلك ما يعينه على القيام بهذه التكاليف الثقيلة التي وضعتها الشريعة على كاهله، وأعفت منها المرأة رحمة بها، وضمانا لسعادة الأسرة. فالميراث لا يرتكز على قضية الذكورة والأنوثة، وإنما يرتكز على عدالة توزيع الأعباء، لأن الشريعة الإسلامية تلزم الرجل بأعباء وواجبات كثيرة لا تلزم بها المرأة، فالرجل يدفع المهر، وينفق على أثاث بيت الزوجية، وعلى الزوجة والأولاد. أما المرأة فهي تأخذ المهر، وليست مكلفة بأن تسهم بشيء في نفقات البيت، كما لا تنفق على نفسها، ولا على أولادها، ولو كانت غنية.إلى المشككينتشتمل أحكام الميراث على حالات عديدة يتساوى فيها نصيب الأنثى مع الذكر، وهناك حالات أخرى يزيد فيها نصيب الأنثى على نصيب الذكر.
مشاركة :