هل نحن مرضى نفسيون؟

  • 9/29/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

محاولة لفهم أسباب ودوافع التصرفات الغريبة والشاذة من الدوائر المحيطة التي كان يعتبر الإنسان أغلبها قدوة بالنسبة له. ليه فلان الطيب الرحيم الحبوب (راح انضم لداعش وناشر صوره بالسلاح وبيكفر أصحابه وأهله)؟ ليه فلان العاقل المتزن (انتحر رغم إنه كان كويس ومكلم فلان من يومين ولا فيه أي حاجة)؟ ليه فلان المؤمن اللي ما كانش بيفوت فرض (ألحد وكفر بربنا)؟ ليه فلان تغير حاله لنقيض؟ يمكن استبدال فلان بفلانة. الصدمات النفسية والهزات العنيفة التي يتعرض لها الناس في حياتهم تترك آثاراً على نفسياتهم، بل وحياتهم بالكامل، وتغييرات في تعاملاتهم مع دوائرهم، ونظرتهم للأمور تختلف تماماً وكلما كانت الصدمة أعنف وأكبر كانت التغيرات أكثر جذرية. يقول الخبراء: الصدمة هي تعرضك لحدث مفاجئ وعنيف مهدد للحياة يجعلك تشعر بالخطر، ويرجع ذلك لشدة الحدث الصادم الذي تعرضت له، ومدى قدرتك على التعايش معه وتحمله، ويظهر ذلك في صورة: اضطرابات نفسية كالقلق، وهو شعور عام وغامض، والترقب والخوف المفرط والتوتر، مصحوباً ببعض الاضطرابات الجسدية وعدم القدرة على التركيز وتشوش الأفكار والحزن الشديد والانعزال الاجتماعي، وأحياناً رغبات انتحارية والشعور بالذنب وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالضعف والعجز. القطاع العريض من هؤلاء المصدومين هو جيل الثمانينات والتسعينات، هؤلاء الشباب الذين قارب بعضهم اليوم على عتبة الأربعين، والذين وُلدوا ومبارك رئيس لمصر، يشاركهم فى هذا مَن آمن بالحلم معهم، وعاشه من أجيال قاربت التسعين. ولا أنسى لقاء الجمعة التي سبقت رحيل مبارك وكنت قبلها بأيام قد أُطلق سراحي من أقبية المخابرات الحربية مع هذا الرجل الستيني الذي كان يشكر الشباب على أنهم فعلوا ما كان يحلم به ولم يستطِع فعله، وكان ردي عليه أننا تربيتكم وهذه ثمار غرسكم. هذا الجيل تعرض لأكبر ثلاث صدمات فى حياته وهزات، كل واحدة منها أعنف من الأخرى، كفيلة بتحطيم أقوى الناس وأكثرهم قدرة على التحمل. الثورة الصدمة الأولى: تمثلت فى أن هذا النظام العسكرى المستبد الديكتاتوري القابع على صدر الوطن منذ قرابة الستين عاماً، وهذا الرئيس العجوز الكنز الاستراتيجي لأعدائنا الموالي لهم الخدَّام عندهم، القاتل لنا لأجل حمايتهم، والذي كان صوت أحد مخبريه كافياً لبث الرعب في منطقة بأكملها بمجرد حضوره للسؤال عن أحد المعارضين، والممتلئة زنازينه بالأبرياء يعذبون ويقتلون من التعذيب قد بدت بشائر سقوطه وتداعى الناس للتظاهر والخروج عن طاعته، وفي بلد قريب منا انكسر شبيهه وهرب أمام الجماهير الثائرة، هل يمكن أن نفعلها؟ وهل يمكن أن تكون مصر كتونس خرجنا والأمل يملأ القلوب قُتل أبرياء وارتقوا شهداء خلال ثمانية عشر يوماً سقط الطاغية على المستوى النفسي والحياتي، هذه صدمة تحتاج إلى استيعاب. النظام الذي كنت تخافه ويقهرك أصبح هو الخائف منك وأنت قاهره.. صدمة بكل المعاني. الرئيس الصدمة الثانية: تمثلت فى استحواذ الشعب أو الثوار متمثلين فى التيار الإسلامي وغيرهم كما يبدو على كامل مقاعد البرلمان، وبيدهم التشريع ووضع دستور ليس مفروضاً عليهم، وبعدها بقليل أصبح من وسط أكثر المجموعات تعرضاً لظلم ودفعاً لفاتورة الاستبداد وآخر ما كان يمكن أن يصل إليه التفكير أن يكون أحد أفراد الإخوان على رأس السلطة والحكم ويكون رئيس الجمهورية، هذا الخارج من باب الزنزانة إلى باب القصر. كان هذا الظرف فى حد ذاته صدمة لذات الشخص في المقام الأول، فضلاً عمن حوله، وأصبح الأفراد الذين كانوا مطاردين منبوذين من السلطة ينافقهم من كان قاهراً لهم قبل أيام، وكل من له مصلحة عند السلطة، وشهدت العضوية في جماعة الإخوان إقبالاً ليس له نظير 90% منه كان طمعاً فيما عندهم من وجاهة وسلطة. هزة عنيفة تحتاج لاستيعاب وفهم. الانقلاب والمجزرة الصدمة الثالثة: أنت النظام وأنت السلطة وأنت الذي يتمنى له من حوله الرضا ليرضى، وأنت الشرعية ومن ينافقه المتسلقون.. فجأة تسمع صوتاً عند السابعة مساء أحد الأيام يقول: تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. انقلاب عسكري عليك في اليوم الأول منه بدأت آلة القتل تعمل في صفوفك، سقط صديقك ابن حيك عند مبنى المحافظة، وسقط زميل الدراسة أثناء احتجاجه سلمياً على قرار الانقلاب بعد يومين قُتل 6 أفراد دفعة واحدة عند نادي الحرس الجمهوري على يد أفراد الجيش الذي كان منذ قليل أنت وهو يداً واحدة. بعد 5 أيام قتل أثناء أداء فريضة دينية مقدسة عندك هي صلاة الفجر قرابة 120 مواطناً أغلبهم أنت لا تعرفهم، لكن تعرف 10 منهم على الأقل كانوا معك وجمعهم بك عمل أو دراسة أو سكن سميتها مجزرة الساجدين، تنظر للعالم الذي كان ينتفض قبل أيام مستنكراً استدعاء النيابة لشخص للتحقيق معه في جرائم ارتكبها، ويكيل لك الاتهامات بالانتهاكات، وهتك حقوق الإنسان، لكن لا مجيب ولا مغيث. بعد أيام يقتل ضعف العدد من الشباب عند النصب التذكاري وبعد قليل فى رابعة يتم قتل وحرق وتجريف جثث الناس، ويصل عدد الضحايا لقرابة 6 آلاف إنسان وأضعاف أضعافهم جرحى ومعتقلين، وتمر تلك المجزرة وأنت متهم فيها وجانٍ وليس مجنياً عليك، وتسجن وتحاكم بتهمة قتل أهلك وإخوانك وأولادك، وحتى اليوم تطاردك تهم الفشل السياسي والفشل العسكري في مواجهة قاتليك، ويتهمك خصومك بالإرهاب ومناصروك بالتقصير. بربك أي إنسان لديه القدرة على تحمّل هذا؟ وهل يمكن أن نسمي المصدومين هؤلاء أنهم مرضى نفسيون، وأنهم في حاجة إلى علاج وتأهيل نفسي ليكونوا أناساً أصحاء وأفراداً وأعضاء صالحين بمجتمعاتهم؟! رفقاً ببعضكم، رفقاً بالمرضى المحتاجين للعلاج، هذه الحالة عبر عنها المجرم الحقير عبد الفتاح السيسي عندما قال: شباب كتير ألحدوا.. يعني ما خرجوش من الإسلام الشباب اللي ألحدوا ما قدروش يتحملوا حجم الفتنة والإساءة على الأرض، ما استحملوش وقالوا ما بدهاش بقى... أنا مش قلقان من الإلحاد. يعرف السيسي جيداً حجم الفتنة التي نثر بذورها في مصر وخطرها على الوطن ويعي ذلك جيداََ. أود أن نستوعب هذه الفكرة أثناء تعاملنا بيننا وبين بعضنا البعض، بينك وبين زوجتك التي صاحبتك فترة الاعتصام وعاشت المحرقة، بينك وبين أولادك الذين عاشوا مشاهد الذبح والقنص والحرق، بينك وبين أخيك الذي حمل بيده عشرات الجثث من إخوانه وأصدقائه، بينك وبين أصدقائك في العمل الذين اُغتيل حلمهم وفقدوا أي معنى للحياة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :