هل المبدعون حقا مرضى نفسيون

  • 10/15/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في إحصاء صدر مؤخرا عن جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية هناك 37 بالمئة من المبدعين في مختلف المجالات يعانون من الاضطرابات المزاجية، و60 بالمئة من المبدعين لا يدركون أنهم يعانون من الاكتئاب، وكلما زادت نسبة الإبداع وزادت نسبة التعبير عنه أفرزتا معهما مرضا نفسيا. يؤكد الدكتور أمين شاهين، أستاذ الطب النفسي، وجود علاقة بين الإبداع وبعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والرغبة في العزلة والانطواء، حيث يقول “الإبداع هو نوع من الخلق وموهبة وطاقة تكون لمجموعة من البشر دون غيرهم، لهم صفات مختلطة جعلتهم يوجهون عقولهم إلى الوجود فيبدع كل منهم في تخصصه”. قلق غير عادي الإبداع، في رأي شاهين، عملية إحساس بالمشكلات والبحث عن حلول غير تقليدية لها، حيث يتمتع هؤلاء المبدعون بقدرة هائلة على الابتكار لامتلاكهم ملاحظة قوية يكتشفون ويبدعون من خلالها وتساعدهم على متابعة توجيه نشاط ما للوصول إلى معلومة أو فكرة جديدة تتعلق بما يبدعونه. علاوة على ذلك المبدع إنسان خيالي، يترك لخياله العنان في عالم يسبح فيه. وما يؤكد ذلك أن الكثير من الاكتشافات العلمية كانت بدايتها مجرد خيال غير واقعي، والخيال العلمي والأدبي هو أساس الإبداع الفني. فالفنان يرسم صورة من الخيال باعتبارها خطة مستقبلية لما يقوم به من عمل فني قبل حدوثه والقيام بتنفيذه. وترى الدكتورة جيهان النحاس، أستاذة الطب النفسي، أن الإبداع يختلف عن الذكاء، فالشخص عالي الذكاء قد يكون عالي الإبداع، ولكن لا يعد هذا شرطاً للمبدع أن يتمتع بالذكاء لأن المبدع لا بد أن يكون دؤوباً مثابراً يتميز بالسيطرة والاعتماد على النفس ولديه تفكير متعب لا يميل إلى التقليد إلا أنه يخرج لغير المألوف منذ طفولته الأولى، رافضاً، عاشقا للمغامرة، وليس بالضرورة أن يكون متفوقاً دراسياً. وعن علاقة المبدع بالمرض النفسي الذي يصاب به ترى أن المبدع يميل إلى الانطواء وهو غير متوازن عاطفياً لأنه يجمع بين ما يسمى بلوثة المرح ونوبات الاكتئاب، والمبدع مريض بمرض الكمال فهو يود أن ينجز عمله على أكمل وجه وعلى مستوى دقيق لذا دائما يهتم بالجزئيات الصغيرة والتفاصيل الكاملة حتى يخرج بعمل جديد للجمهور، إلى جانب ذلك فهو يعاني من البوهيمية والقلق الدائم ولكن يختلف عن قلق الإنسان العادي. الإبداع والاختلاف من وجهة نظر الدكتورة نيفين صبري، أخصائية نفسية، يصاحب عملية الإبداع والابتكار نوع من المعاناة نتيجة القلق وطول الوقت حتى يتم التوصل إلى النتائج النهائية ويخرج العمل الذي يبتكره المبدع إلى النور سواء كان عملا فنيا أو أدبيا، ولن يتوصل إلى هذا الابتكار إلا إذا كان هذا المبدع يتمتع بالثقة في النفس في مواجهة من يتهمونه بالجنون، اعتقاداً أنه يأتي بشيء غير مألوف، وما يدل على ذلك أن المبدع قديماً كانوا يتهمونه بالسحر مما كان يعرضه للحرق عقاباً على إبداعه ومخالفته للتقاليد والقوانين المتعارف عليها، من هنا نجد المبدع في أغلب الأحيان تكون لديه طاقة عدوانية شديدة نتيجة توجيه اللوم المستمر إليه، وهذه الطاقة التي تحفزه على مواجهة أعدائه من هذا المنطلق تتولد لديه القدرة على الإخلاص فيما يبتكره.إذن كيف نكتشف المبدع منذ طفولته؟ ترى زينب بشري، أخصائية الطب النفسي، أنه إذا وجد طفل أو مراهق في أسرة يسبب لها تعبا ومشاكل فهو مبدع في الكبر، إذا تم اكتشافه منذ صغره وتوجيهه، لا يتحمل القيود واللوائح ويختلف عن أقرانه في طاعة الأوامر المدرسية، فهو طفل غامض لا يهتم بالتفوق الدراسي، غير تقليدي وغير منطوي السلوك من وجهة نظر مدرسية، لديه تطلعات مختلفة عن زملائه. وفي مرحلة المراهقة نجده لا يشعر بالتوافق بينه وبين من حوله، والمراهقون المبدعون بوجه عام لا يحققون آمال الأهل في النجاح والتفوق الذي يمثل النجاح بالنسبة إليهم مقياس الذكاء. وتستدرك صبري “لكن ليست هناك علاقة بين الذكاء الدراسي والذكاء العام وبالتالي تنحصر هذه العلاقة بين الذكاء والإبداع، فنجد المراهق المبدع لديه حب دائم للمغامرة ولو على حساب حياته فهو يريد أن يكتشف ويدرك ما هو جديد ومثير”. وتضيف “من هنا لا بد من إعطاء الفرصة لهؤلاء المراهقين منذ طفولتهم من خلال عدم الحجر على أفكارهم واختياراتهم سواء بخصوص ملابسهم أو بشأن نوع الأكل الذي يفضلونه، ولا نعاقبهم في حالة الأخطاء التي يرتكبونها خاصة إذا اعترفوا بالخطأ، لأن المطلوب أن يدركوا الخطأ ويتعلموا منه وأن نتركهم يمارسون الهواية التي يريدونها حتى لو كانت بعيدة عن رغبة الكبار وغير تقليدية”.

مشاركة :