تاريخ «الإخوان» حافل بالاغتيالات السياسية

  • 9/29/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم: أ. د. فلاح عبدالله المديرس| تتناول هذه الدراسة جماعات الإسلام السياسي السني والعنف الديني، أو ما اصطلح على تسميته بالجماعات الجهادية السنية، ونقصد بها الجماعات والحركات والأحزاب التي تتخذ من الخطاب السياسي الديني أيديولوجية لها، وتعارض الدولة المدنية، وتسعى إلى اقامة دولة دينية. ومثال على ذلك جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية والجماعات السلفية الجهادية، وحزب التحرير، وتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش.. وغيرها من الجماعات والحركات والأحزاب التي تتوالد بكثرة وتنشط بين أبناء المجتمع الكويتي وبقية أجزاء منطقة الجزيرة والخليج العربي. وهذه الحلقة تلقي الضوء على ارتباط العنف بجماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ تأسيسها، والعديد من العمليات الإرهابية التي نفذتها «الجماعة» أو حاولت تنفيذها، وصراعها الدموي مع السلطة، إلى أن أعلنت الحكومة المصرية «جماعة الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية. وترصد الحلقة ظهور الاتجاه الديني المتطرف والاتجاه التنويري في الكويت مع بداية القرن الماضي.أ. د. فلاح عبدالله المديرس إذا ما نظرنا في أدبيات جماعات الإسلام السياسي في الكويت، المتمثلة في «جماعة الإخوان المسلمين» و«حزب التحرير» و«الجماعات السلفية»، فسنجد أن «جماعة الإخوان المسلمين»، التي تعد كبرى الجماعات الدينية في الكويت، قد تأثرت فكرياً وتنظيماً بجماعة الإخوان في مصر (1)، التي دعا مؤسسها حسن البنا، منذ إنشائها في العشرينات من القرن الماضي، إلى محاربة من لا يقبل دعوة الإخوان المسلمين، يقول «نحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة، لا سلم فيها ولا هوادة حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق، وهو خير الفاتحين» (2). ويقسم حسن البنا في كتابه الموسوم «مذكرات الدعوة والداعية» المسلمين إلى قسمين، معتبراً من ينتمون إلى جماعة الإخوان جماعة المؤمنين في المجتمع، ومن عداهم لا يسلم من نقص (3). ومنذ السنوات الأولى لتشكيل الجماعة سعى البنا إلى تكوين تشكيلات عسكرية، منها «كتائب أنصار الله»، التي بدأت منذ عام ١٩٤٠، واعتمدت شعار «أمر وطاعة»، تمهيداً لمراحل أخرى تقرب الجماعة من هدفها نحو السلطة (4). وفي هذا الصدد يقول الدكتور رفعت السعيد: «أمّا العلامة المميزة الثانية، فهي الجهاز السري الذي مارس عمليات إرهاب وقتل، فكانت البداية والنموذج والقدوة للإرهاب المتأسلم. وقد تدرج الفكر التنظيمي لحسن البنا في سلاسة ويسر ليصل إلى هذا الهدف غير المعلن، فبدأ بـ «الجوالة»؛ بهدف تعويد الإخوان النظام شبه العسكري، وتدريبهم على الطاعة التامة والتفاني المطلق، ثم كانت «كتائب أنصار الله»، وهي مجموعات يضم كل منها أربعين عضواً من الأعضاء النشطين في الجماعة معاً يلتقون ليلة من كل أسبوع، حيث يقضون الليل في العبادة والتلاوة، والعيون اليقظة تتابع ذلك كله لتفرز منهم من يصلحون للجهاز الخاص» (5). ودعا حسن البنا أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الى تشكيل كتائب اسلامية من اجل تحقيق هدف الاخوان، ويقول: «وفي الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كل منها نفسياً وروحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت، طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله» (6). العنف المسلح في الحقيقة، إن لغة العنف موجودة في أدبيات الجماعة منذ تأسيسها، حيث كتب الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا، المعروف بالساعاتي، (والد حسن البنا) في العدد الأول من مجلة «النذير»، التي أصدرتها «جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، مقالاً بعنوان «استعدوا يا جنود»، يقول فيه: «استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. خذوا هذه الأمة برفق فما أحوجها إلى العناية والتدليل، وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل، أعكفوا على إعداده في صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة لإنقاذها منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه، وسرطاناً خطيراً فأزيلوه.. استعدوا يا جنود. فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر، وفي عيونهم عمى» (7). بعد ذلك دخلوا في صراع مع القصر بعد اكتشاف السلطة، ولأول مرة، معالم النظام الخاص، حيث يتم تدريب عناصر النظام الخاص، أو «الجهاز السري»، تدريبا قاسياً، ويجب أن يتحلى عضو النظام الخاص بالطاعة التامة والاستعداد للتضحية. وكان عضو النظام الخاص يربى تربية خاصة، ويهيمن عليه عقائدياً بحيث تسيطر عليه فكرة الجهاد. وبعد أن ينتهي التدريب يقسم العضو يمين البيعة: «أقسم بالله العظيم أن أكون حارساً أميناً لمبادئ الإخوان مجاهداً في سبيل الله على السمع والطاعة في المعروف. وان أجاهد نفسي ما استطعت» (8). وأكد محمود الحواتكي، الذي يعد من قادة جماعة الإخوان المسلمين، في اعترافاته أمام محكمة الشعب في أيام حسن البنا «كان الذي يخرج على الجهاز السري يقتل» (9). كما يؤكد أحد قادة النظام الخاص محمود الصباغ في كتابه الموسوم «التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين»: ويقول «إن أي خيانة، أو إفشاء سر بحسن مقصد أو بسوء مقصد، يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته» (10). وكان قسم البيعة يتم على مصحف ومسدس، وعادة يتم القسم بين يدي مرشد الإخوان حسن البنا، حيث يكتسب مذاقاً خاصاً (11). وفي هذا الصدد يقول محمد حامد أبو النصر (احد مرشديهم) في مذكراته «وكنت في ذاك الوقت متوشحاً بمسدسي الذي لا يفارقني في مثل استقبال ذلكم الزائر الكريم حسن البنا الذي أحببته قبل أن أراه. فقلت له إن الوسيلة الوحيدة للرجوع بالأمانة إلى أمجادها السالفة هو هذا.. وأشرت على مسدسي، فانبسطت أساريره كأنما لقي بغيته وعثر على مطلبه. وقال: ثم ماذا؟ تكلم.. فعشت في هذه الكلمات برهة قطعها فضيلته باستخراج المصحف الشريف من حقيبته قائلاً: هل تعطي العهد على هذين؟ مشيراً إلى المصحف والمسدس. فقلت: نعم. وبعد أن تمت البيعة بهذه الصورة. ارتبطت بالرجل ارتباطاً خاصاً وثيقاً» (12). وهذه الشهادة التي أوردها أبو النصر في مذكراته تؤكد على أن جماعة الإخوان المسلمين منذ أن أسسها حسن البنا في مطلع العشرينات من القرن الماضي قد اتخذت من العنف المسلح أسلوباً من أساليب العمل الإسلامي، وأن المسدس هو الحل. ويؤكد هذا ثروت الخرباوي في كتابة «سر المعبد» ويقول نقلاً عن أحمد عادل كمال، أحد القياديين في النظام الخاص في زمن حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين «حدثني عن «بيعة النظام الخاص» التي كانت تختلف عن البيعة العادية، فقال: كنا نؤديها في غرفة مظلمة وعلى مصحف ومسدس، ولم يكن يباح لمن يبايع أن يعرف من بايع لأنه كان يؤديها في غرفة مظلمة» (13). واعتبر محمود الصباغ اغتيال أعداء الدعوة جزءاً من العقيدة الإسلامية، وأيد الصباغ اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات (14)، الذي أمر بإطلاق سراح قياديي وأعضاء الجماعة من السجون وفسح المجال لهم في العودة وممارسة نشاطهم السياسي (15). ويستفاد من اعترافات احد أعضاء النظام الخاص قاتل النقراشي باشا عبدالمجيد حسن، أن البرنامج التثقيفي في النظام الخاص كان يرسخ فكرة أن الاغتيال السياسي سنة من سنن الإسلام (16). ومما هو جدير بالذكر أن الأفكار الثورية الراديكالية التي جاء بها منظر تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في كتابة الموسوم «فرسان تحت راية النبي»، التي يتم على أساسها بناء الحركات الإسلامية الراديكالية فكرياً وتنظيمياً، استمدها الظواهري من كتاب احد القيادات الإخوانية (17). صراع دموي مع السلطة بدأت خطورة الجماعة تظهر جلية أمام السلطة، وهو ما جعلها تغير موقفها من الجماعة برمتها، والذي كان قد أتاح لها في ما سبق النمو والتغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية، والذي تحول بعد ذلك إلى صراع دموي مع السلطة حينما أقدمت الجماعة في 22 مارس 1948 على اغتيال المستشار أحمد الخازندار؛ لأنه أصدر أحكاماً على عدد من أعضاء الجماعة اعتبرها التنظيم الخاص أحكاماً متشددة، فتقرر إطلاق الرصاص عليه. وفي 4 ديسمبر 1948، جرى اغتيال اللواء سليم زكي (حكمدار العاصمة) على يد احد طلاب الإخوان من المنتمين إلى الجماعة على إثر هذا اتخذت إجراءات عنيفة تجاه الجماعة بدأت بإصدار أمر بإغلاق صحيفتها «الإخوان المسلمون» وانتهت بصدور قرار حل الجماعة في ٨ ديسمبر ١٩٤٨. بعد ذلك أقدمت جماعة الإخوان على اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في يوم ٢٨ ديسمبر ١٩٤٨، وقد ردت السلطة على ذلك باغتيال مرشد عام الجماعة حسن البنا في ١٢ فبراير ١٩٤٩، أثناء توجهه إلى المركز العام «لجمعية الشبان المسلمين». وبعد ثلاثة أشهر من مقتل البنا قامت الجماعة بالرد على اغتياله بمحاولة قتل إبراهيم عبدالهادي باشا الذي تولى رئاسة الوزارة بعد النقراشي ولكن لم يحالف هذه المحاولة النجاح. وتاريخ الجماعة حافل بالاغتيالات السياسية قبل اكتشاف النظام الخاص، وأبرز هذه الاغتيالات في 25 فبراير 1945، أقدمت الجماعة على اغتيال أحد أبطال ثورة 1919 الذي حكم عليه من قبل الإنكليز بالإعدام أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء في قاعة البرلمان، وكان القاتل محمود العيسوي، ونسبت العملية إلى «الحزب الوطني»، وظل الاعتقاد سائداً أن اغتيال أحمد ماهر بعيد تماماً عن «جماعة الإخوان المسلمين»، وبعد مرور أكثر من أربعين سنة على اغتيال ماهر (18). اعترف الشيخ سيد سابق في جريدة «المسلمون» بأن اغتيال ماهر نفذه التنظيم الخاص للجماعة، وأن العيسوي كان منخرطاً في التنظيم للجماعة، وبشكل سري، حتى وإن تصور الجميع أنه على علاقة بـ «الحزب الوطني»، وتعد أهمية شهادة الشيخ سيد سابق من أنه كان عضواً فاعلاً في التنظيم الخاص (19). كذلك يؤكد الشيخ أحمد حسن الباقوري، الذي كتب ذكرياته في جريدة «المسلمون» ثم صدرت في كتاب عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، بأن جريمة اغتيال ماهر كانت من تخطيط وتنفيذ التنظيم الخاص للجماعة. وأهمية شهادة الباقوري تنبع من كونه عضواً بمكتب الإرشاد، وكان من القياديين البارزين من المرشحين لخلافة حسن البنا بعد اغتياله. منيفستو «الجماعات» بعدها ظهرت الأفكار القطبية، التي نشرها سيد قطب في مؤلفه «معالم في الطريق» الذي يعد منيفستو لجماعات الإسلام السياسي في معظم البلدان العربية والإسلامية، والذي تناول فيه موضوع المجتمع الجاهلي، حيث اعتبر جميع المجتمعات، بما فيها المجتمعات الإسلامية المعارضة، مجتمعات جاهلية. ويعرف الخطاب القطبي المجتمع الجاهلي بـ«أنه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده.. متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية.. وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً» (20). ولهذا دعا إلى تحطيم مملكة البشر في الأرض عن طريق القوة. ويعرف الخطاب القطبي مفهوم «الحاكمية الإلهية» بالعبودية لله وحده، والتحرر من حاكمية البشر، التي تشمل الأنظمة السياسية الديموقراطية والاشتراكية والعلمانية. ومن هذا المنطلق يؤكد الخطاب القطبي على أن «الإسلام ليس هو أي مذهب من المذاهب الاجتماعية الوضعية، كما انه ليس أي نظام من أنظمة الحكم الوضعية.. بشتى أسمائها وشياتها وراياتها جميعاً.. وإنما هو الإسلام فقط! الإسلام بشخصيته المستقلة وتصوره المستقل وأوضاعه المستقلة» (21). ويؤكد الخطاب القطبي أنه ليس هناك مكان للتعايش بين حاكمية الله وحاكمية البشر، لهذا يرى سيد قطب أن «الفارق الأصيل بين طبيعة منهج الله ومناهج الناس، فإنه يستحيل الالتقاء بينهما في وضع واحد. ويستحيل تلفيق منهج نصفه من هنا ونصفه من هناك. وكما أن الله لا يغفر أن يشرك به، فكذلك هو لا يقبل منهجاً مع منهجه، هذه كتلك سواء بسواء، لأن هذه هي تلك على وجه اليقين» (22). وفي هذا الصدد يقول د. أيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة) في كتابه «فرسان تحت راية النبي»: إن سيد قطب وراء تشكيل نواة «الحركة الجهادية» في مصر. واعتبر الظواهري ان سيد قطب هو الذي وضع دسـتورهم في كتابه «معالم في الطريق»، وأن هذا الكتاب مصدر الإحياء الأصولي، وأصبحت كلمات هذا الكتاب «نموذجاً للصدق في القول وقدوة للثبات على الحق». كما يؤكد الظواهري أن كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» يعتبر أهم إنتاج عقلي وفكري لجماعات الإسلام السياسي. ويقرر الظواهري أن الأفكار القطبية تركت آثارها على الجماعات الراديكالية من جماعات الإسلام السياسي، التي قررت في ما بعد أن توجه ضربتها للنظام الحاكم في مصر على أساس أن هذا النظام خارج عن منهج الله (23). ويؤكد نبيل نعيم، القيادي في تنظيم الجهاد المصري، أن من بني تنظيم القاعدة هم مصريون، وان أيديولوجية هذا التنظيم تستمد من الفكر القطبي ومؤلفات سيد قطب هي التي وراء المنهج التكفيري الذي يسير عليه تنظيم داعش (24). المسدس هو الحل تزامن ظهور الأفكار القطبية مع المحاولات التي قامت بها «جماعة الإخوان المسلمين» لفرض الدولة الدينية من خلال «المسدس هو الحل» في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ففي عام ١٩٥٤ حاولت الجماعة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في ميدان المنشية، وتمكّنت الأجهزة الأمنية من كشف مخطط إرهابي حاولت الجماعة تنفيذه يهدف للقضاء على النظام الناصري (25). وجاءت المحاولة الإرهابية الثانية التي حاولت الجماعة تنفيذها عام ١٩٦٥، وكانت تهدف إلى القضاء على النظام الناصري، وتم إحباط المحاولة قبل تنفيذها واعتقال أعضاء التنظيم ومحاكمتهم، وإعدام سيد قطب، عبدالفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش (26). بعد انتصار الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013، وأثناء فترة الحكم الانتقالي الذي أعقب عزل مرسي، اتخذت السلطة الجديدة عدة إجراءات للقضاء على تحركات الإخوان وحلفائهم من خلال مظلتهم السياسية «تحالف دعم الشرعية»، الذي طالب بعودة مرسي للحكم باعتباره رئيساً شرعياً للبلاد، وكان رد السلطة الجديدة اعتقال محمد بديع المرشد العام للتنظيم الدولي للإخوان ومعظم قيادات التنظيم مثل محمد البلتاجي وعصام العريان وغيرهما من الذين شاركوا في تظاهرات إشارة رابعة وميدان النهضة، وأصدرت المحاكم المصرية أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد على بعض قيادات الإخوان. وأثناء حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي استمرت العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعة الإخوان تحت مسميات ولافتات وهمية.. وبعد التفجير الكبير الذي حدث في مبني وزارة الداخلية في الدقهلية، أعلنت الحكومة المصرية «جماعة الإخوان المسلمين» في مصر منظمة إرهابية. وكان رد فعل الجماعة هو الاستمرار في العمل الإرهابي الذي أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا في صفوف المدنيين والشرطة والجيش. الصراع بين التطرف والتنوير في الكويت عرفت الكويت الاتجاه الديني المتطرف والاتجاه التنويري مع بداية القرن الماضي، وقد ساهم الاتجاه التنويري مع أنصاره مساهمة كبيرة في تطور المجتمع الكويتي اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وكان أنصاره من علماء الدين والتجار الذين تأثروا بزعماء الإصلاح الديني المستنير، مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ورشيد رضا وعبدالعزيز الثعالبي وحافظ وهبة المصري. ويعد الشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى القناعي وياسين الطبطبائي وفرحان الخالد وخالد العدساني والشيخ أحمد خميس الخلف.. وغيرهم من المصلحين الكويتيين الذين أعجبوا بحركة النهضة في البلاد العربية، وسعوا إلى محاولة تحقيق ذلك في المجتمع الكويتي. دعا المتنورون الكويتيون، الذين يمثلون رواد النهضة الحديثة في الكويت، إلى إنشاء المدارس وتعليم العلوم الحديثة، وكان التعليم في تلك الفترة مقتصراً على الكتاتيب التي تدرس الطلاب حفظ القرآن وبعض العمليات الحسابية البسيطة. واستمرت الكتاتيب في العمل حتى أواخر الخمسينات من القرن الماضي. وكانت أول مدرسة بدأ فيها تعليم العلوم الحديثة هي المدرسة المباركية وكان ذلك في عام 1911. وقد تضمن منهجها تعليم اللغة الإنكليزية والجغرافيا. وقد واجه ذلك معارضة كبيرة من أنصار الاتجاه الديني المتشدد، الذي تزامن حضوره مع ظهور الحركة الوهابية التي أسسها محمد بن عبدالوهاب في البلد الذي له حدود مشتركة مع الكويت، حيث عمل الوهابيون على بسط نفوذهم الديني على مجتمعات منطقة الجزيرة والخليج العربي. وتمثل هذا الاتجاه المتشدد في الشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي وآخرين ممن اعتبروا التعليم الحديث بدعة وخروجاً على التعاليم الإسلامية، وانه يجب اقتصار التعليم على حفظ القرآن والكتابة والقراءة، أما ما عدا ذلك، مثل تعلم اللغات الأجنبية والجغرافيا، فهو يعد خروجاً على الإسلام ومدعاة للإلحاد (27). ودعوا إلى عدم إدخال التلاميذ المدارس، ورأوا ان الاحتفاظ بالصور حرام. وقد أدى ذلك بالشيخ يوسف بن عيسى القناعي الى أن يبتعد عن إدارة المدرسة المباركية بسبب الضغوط التي مارسها المتشددون الذين استغلوا منابر المساجد لتحريض الناس ضد المصلحين العرب والمتنورين من الكويتيين. وفي عام 1920 أسست المدرسة الأحمدية، وتولى التدريس فيها المدرسون الذين قدموا من مصر لتدريس العلوم الحديثة، وحتى المدرسة الأحمدية لم تسلم من معارضة الاتجاه الديني المتشدد حتى أنها وصفت بالمدرسة النصرانية (28). وفي عام 1924 أسس المتنورون الكويتيون مدرسة السعادة (29). في عام 1913 خطا المتنورون خطوات اخرى بتأسيسهم «الجمعية الخيرية العربية»، التي كان الغرض الاساسي من تأسيسها مواجهة الحملات التبشيرية، وإرسال الطلاب الكويتيين الى الجامعات الاسلامية في البلاد العربية، كمصر وبيروت ودمشق، لتلقي العلوم الحديثة (30). وفي عام 1922 مضى المتنورون الكويتيون من الاتجاه الديني المتسامح في خطواتهم الاصلاحية، التي لم تقتصر على ادخال التعليم الحديث، بل تعدت ذلك الى نواح ثقافية اخرى، حيث تم تأسيس اول مكتبة اهلية في الكويت واجريت اول انتخابات لمجلس ادارة «المكتبة الأهلية» للاشراف على اعمال المكتبة. وحوت «المكتبة الأهلية» الكثير من الكتب والمجلات العربية، مثل «المنار» و«المؤيد» وغيرهما، كما اضطلعت «المكتبة الأهلية» بمهمة نشر الثقافة، حيث بدأت تتداول في الكويت للمرة الاولى المجلات العربية، وقد أثار ذلك حفيظة الاتجاه الديني المتشدد، الذي شن حملة على المتنورين العرب والكويتيين، واعتبر قراءة الجرائد والمجلات بدعة ومن المحرمات، وتم تكفير احدى العائلات الكويتية، وهي عائلة الخالد، لأنها اشتركت في إحدى المجلات، وأصدر المتشددون فتوى بتكفير جميع من يقرأ او ينقل او يعمل على ترويج هذه البدع (31). هوامش (1) راجع: مذكرات عبدالله العلي المطوع المنشورة في جريدة «الحركة»، ١٣ فبراير ٢٠٠٦. (2) حسن البنا الإمام الشهيد، مذكرات الدعوة والداعية، ص ١١٤. (3) المرجع السابق، ص ٢٢٢. (4) محمد حافظ دياب، سيد قطب الخطاب والأيديولوجية، ص ٧٨. (5) رفعت السعيد، التيارات السياسية في مصر، ص ١٧٢. (6) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، ص ١٦٢. (7) النذير، أول محرم ١٣٥٧ هـ . (8) رفعت السعيد، قادة العمل السياسي.. حسن البنا متى.. ولماذا..؟ ص ١٣١. (9) محكمة الشعب، الجزء الثاني، شهادة محمود الحواتكي، ص ٢٥٤. (10) محمود الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين، ص ١٣٢. (11) رفعت السعيد، قادة العمل السياسي.. حسن البنا متى.. ولماذا..؟ ص ١٣١. (12) محمد حامد أبوالنصر، حقيقة الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر، ص١٠. (13) ثروت الخرباوي، سر المعبد الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين، ص 223. (14) محمود الصباغ، مرجع سابق، ص ٢٩. (15) رفعت السعيد، أوهام الخلافة، ص ٢٥٤. (16) محمد عبداللطيف آل الشيخ، حتى لا يعود بن لادن من جديد، ص ٣٦. (17) راجع أحمد عادل كمال، النقط فوق الحروف: الإخوان المسلمون والنظام الخاص. (18) هالة مصطفى، الإسلام السياسي في مصر، ص ١١٣ – ١١٤. (19) المرجع السابق، ص 45. (20) سيد قطب، معالم في الطريق، ص 3 – 15. (21) المرجع السابق، ص 88 – 89. (22) سيد قطب، المرجع السابق، ص ١٥٣. (23) أيمن الظواهري، فرسان تحت راية النبي، منشور في جريدة «الشرق الأوسط»، ٤ ديسمبر ٢٠٠١. (24) مقابلة مع نبيل نعيم، العربية نت. (25) عبدالله امام، عبدالناصر والإخوان المسلمون، ص ٧٩ – ٩٤. (26) المرجع السابق، ص 112. (27) يعقوب يوسف الحجي، الشيخ عبدالعزيز الرشيد سيرة حياته 1993 (28) مرجع سابق. (29) عبدالعزيز الرشيد. (30) مرجع سابق. (31) مرجع سابق. الحلقة الثانية: الجماعات لا تعترف بشرعية الأنظمة السياسية القائمة

مشاركة :