حاوره: يوسف أبو لوز أرجع الكاتب الإماراتي علي أبو الريش، الذي يشكل بنية روائية عربية خليجية أهّلته لأن يكون واحداً بين أفضل مئة روائي عربي.. ظاهرة الإرهاب إلى جذورها وبيئتها، التي غذّتها بأكثر من خطاب، وهو يرى الآن، وفي ضوء كارثية إيواء وتمويل وحماية مهندسي الإرهاب أنه يترتب إعادة النظر ومراجعة الخطاب الديني المسيّس والمتفشي كالوباء.وقال أبو الريش صاحب التجربة الصحفية العريقة والمدى الأدبي الشعري والروائي المجاوز لعلم النفس والفلسفة، إن قطر أداة من أدوات الإرهاب، فضلاً على أنها لا تمتلك أصلاً مقوّمات الدولة، وركّز في هذا الحوار على ضرورة مقاومة المثقف العربي لفكر العتمة ودول الظلام.* كيف يمكن تكوين جبهة ثقافية عربية لمواجهة ظواهر الإرهاب، وبروز جماعات تنكل بالإنسان.. أين دور المثقف في مواجهة الجيوب التكفيرية والظلامية؟ أقول المواجهة صعبة وسهلة في الوقت نفسه.. صعبة طالما بقيت ثقافتنا عدوانية وإقصائية، ولا تستطيع أن تتخلص من الصنمية والعبودية، «الأنا» الواحدة التي لا تتجزأ إلى الأنوات، ف«داعش» لم يأتِ على طبق طائر إلى الأرض.الآن لا يمكنك أن تقصي حتى المختلف معك، حتى الديني المتزمت يجب ألّا تقصيه.وهناك جماعات ولدت في أحضان المجتمع أساساً، مثل: «الإخوان المسلمين».. أي داعية أي فقيه عدواني ممكن أن ينساق وراءه قطيع من البشر مثلما قال نيتشه.. نحن لدينا الاستعداد للانسياق وراء الوهم قبل كشف الحقيقة، فهذه الجماعات والتنظيمات وجدت الفرصة، كما وجدت السجادة الحمراء مهيأة أمامها؛ لأن الكثير من أبناء الأمة ينساقون دون وعي.ثمّة قطر؛ إذ تعد أداة من أدوات الإرهاب، والأداة الخطرة؛ لأنها أخذت الصفة الرسمية، وعندما تظهر دولة مثل قطر وتأوي جماعات إرهابية، وتدعمها مالياً ولوجستياً تشعر أن هناك خللاً أساساً.لدينا ثلاث قنوات يجب أن نتطرق إليها للتخلص من قطر أو غيرها.. القناة الأولى: الخطاب الديني الخطر، والخطاب التربوي؛ إذ لم تخرج المناهج التربوية أفضل مما هو موجود، والخطاب الإعلامي؛ إذ يقتصر على نقل الأخبار دون الإبداع، فهو لا يذهب إلى المعلومة؛ ليتقصاها ويتحقق منها هو فقط مجرد بوق، مثل المرتزقة الذين يعملون في القنوات التحريضية، ولا يعيشون إلّا في المستنقعات؛ لأن من مصلحتهم استمرار الأزمات.تلفزيون «الجزيرة» وعلى ما يسمى «الربيع العربي» في ليبيا ومصر..، تغذّت على هذا، فهي تصنع الظاهرة وتستغلها.* ماذا عن الخطاب الديني؟ مع الأسف الشديد، فيوسف القرضاوي انتهت فرصته؛ لأن الخطاب الديني الرسمي كان يعيش في سبات، وما ينشره مجرد أكاذيب وأوهام؛ لكن هذه الأوهام لم تصد بخطاب ديني آخر.. فلن ينتصر باغي إلّا لوجود مهزوم ضعيف، تابعنا الرجل منذ زمن بعيد وهو في تلفزيون قطر يحاول معالجة قضايا المرأة الحائض والحامل.. الآن انتهز الفرصة وانتقل ليصير مناظراً دينياً؛ لأن الفرصة أتيحت له.* قطر أصبحت بؤرة الخطر في المنطقة، تقف عقبة في طريق مجلس التعاون، والانفتاح الخليجي على العالم، المشكلة الأساسية الآن، أين دور المثقف العربي الآن؟ القضية الآن لم تعد خلافاً سياسياً بين حكومات؛ بل، قضية خلاف تاريخي ووجداني.. ما تصنعه قطر الآن يخرّب الوجدان الخليجي، فقد خسرنا شعباً حبيباً لنا؛ لكن هذه الحكومة القطرية استطاعت أن تصنع هذا الشرخ، ومن واجب كل مثقف ومفكر أن يدلو بدلوه، ويحكّم ضميره.* ماذا تقول للمثقفين القطريين؟* هل يجب مراجعة سياسات المناهج التربوية؟ نحتاج إلى تغيير ثلاث قنوات، منها الخطاب الديني والإعلامي، وأخيراً الخطاب التعليمي التربوي، فإذا لم تغير هذه القنوات وتجعلها مشبعة للوجدان الإنساني ومشبعة لأفكاره، وتخرج من نطاق الاختزال التاريخي، ونبدأ في البحث عن الإبداع، والتفكير الحرّ، وعلاقة ود ما بين المُدرس والطالب، يجب أن نخلق هذه العلاقة الودية.يجب أن تمتلك جداراً عالياً وسميكاً؛ لصد كل المحولات الخارجية، وهذا يأتي أساسه من التعليم، الذي يحض على حب الوطن والأرض.* هل تفكر في عمل روائي حول الأزمة التي تشهدها المنطقة؟ أمنيتي أن أتمكن من إصدار عمل روائي، لا يتمحور فقط حول الأزمة القطرية، إنما أيضاً حول الإنسان العربي في تمحوره حول الذات.. الأنا لدى الإنسان العربي أصبحت أنا صلبة لا تستطيع أن تمتلك المرونة في التعاطي مع الآخر، والأنا القطرية متضخمة جداً.وأنا أعتقد لو أن أمير قطر فقط جلس مع نفسه ونظر إلى المرآة، سيجد غباراً كثيفاً على هذه المرآة، هو يحتاج إلى تنظيف هذه المرآة وهذه الأنا المتضخمة.* الروايات الكبرى تناولت ما هو إنساني وعظيم في حياة البشر.. اليوم نلاحظ أن بعض الروايات تقوم على مادة تاريخية، وشخصيات متصوفة، وبعضها على وثائق ومخطوطات.. هل تعتقد أن هذه القماشة كافية لإنجاز رواية عظيمة أم أن الرواية يمكن لها أن تولد من المكان دون أية مرجعيات؟ طالما تحدثنا أن الرواية جاءت متأخرة، فلا بد أن هناك شيئاً من الفوضى في الوجدان، في الإمارات الطفرة الثقافية حدثت في ثلاثة عقود، وفي تلك الفترة حدث شيء من البعثرة والغربلة في الوجدان وفي اللاشعور الجمعي، تبعه الالتحاق في العمل الروائي.المشكلة الأساسية الآن التي تعانيها الرواية؛ غياب النقد المرجعية الثقافية؛ إذ لا يوجد مرجعية تعتمد عليها، إضافة إلى ذلك نتيجة للفرح العارم بوجود الرواية، فالقاصي والداني يكتب الرواية في ظل غياب النقد في الوطن العربي ككل. فشاب في عمر لا يتجاوز 18 سنة يقتحم المجال، وهذا من حقه، لكن على الأقل عندما يصدر عملاً روائياً يجب أن يعرف لمادة نقدية حقيقية علمية بعيداً عن الانطباعية، وبعيداً عن الازدواجية والشخصانية، لكن هذا لا يحصل، وبالتالي لن يحصل هناك أي عمل تاريخي عظيم إلا بوجود هذه العين الفاحصة.* الفلسفة دراستك الأكاديمية.. إلى أي مدى تنهض روايتك على قماشة فلسفية؟ أعتقد وهذا تصور قد أخطئ أو أصيب فيه.. أن أي كاتب روائي إذا لم يكن على الأقل لديه بديهيات في علم النسخ والفلسفة لن يكون روائياً حقيقياً؛ لأن من مهام الفلسفة الغوص في المتافيزيقيا، ونحن كائنات ميتافيزيقية مهما وصلنا إلى الحضارة منذ خلقنا إلى أن نبعث.الرواية خارجة من الإنسان وبحث الإنسان وحقيقة الإنسان.. وبالتالي إذا لم تستطع أن تعيش الحياة اليومية فهي ليست رواية في الحقيقة.. وللحقيقة ثلاثة وجوه: الوجه الأول إخراج العقل من العقل، الوجه الثاني التضامن مع الآخر، وأخيراً الحب.في الوجه الأول تتطرق له الرواية بتعرية هذا العقل وتحريره وتخليصه من الأفكار المسبقة، فنحن بحاجة إلى رواية تستطيع أن تخرج العقل من العقل، أن تفرغ العقل من حزنه التاريخي.* «يجب أن تكتمل دائرة الحرية والحب» ؟ أتمنى أن يتحد العالم ضد الكراهية التي تشيعها قطر، ولا حلّ غير ذلك، نحن نريد أن يوجد مكان للحب، لأن الإنسان مهما بلغ من تطور مادي وتكنولوجي يصبح لا إنساناً.نحن بحاجة لأن نُكمل الدائرة؛ دائرة الحرية والحب.. يجب أن نربي أطفالنا على ثقافة المحبة، وهي مهمة المدرس بالدرجة الأولى، ويجب أن نعيد مكانة المدرس.وأتمنى أن يكون هناك دور حقيقي للمثقف العربي، وبالذات الأدباء العرب والشعراء؛ لأن هؤلاء يسكنون وجدان الإنسان العربي، فإذا تحرك هؤلاء يمكن أن تدار العجلة.
مشاركة :