بَعض المَقولات -عِندَما يَسمعها المَرء- تُطْرَب لَها الأُذن، ويَستمتع بهَا العَقل، وتَحلو للتَّفكُّر والتّداول والنّقاش..! وقَبل أيَّام، كُنتُ مَع شَيخي الفَيلسوف "عبدالرحمن المعمّر"، وكَان ثَالثنا الصَّديق القَانوني "محمد سعيد طيّب"، فأمتَعنا "المعمّر" بعبَارة شَامخة كعَادته، قَائلًا: (سُكنى المُدن تُقلّل المرُوءَات)..! ومَا أن انتَهَى مِن جُملتهِ؛ حتَّى صَدح "أبوالشيماء" -محمد سعيد طيّب- بضحكة مجلْجلَة، سَمعها الجيرَان، ثُمَّ التَفَتَ إليَّ وقَال: (يَا "أبَا سُفيان" هَذه عِبَارة بَديعة، وتَصلح أن تَكون تَغريدة لَك)..! ولَكن في اليَوم الثَّاني عَقدتُ اجتمَاعًا طَارئًا "مَع نَفسي"، وقَرَّرتُ أن لا تَكون هَذه العبَارة "تَغريدة"؛ وإنَّما "مَقالة"، لذَلك أقول: فعلًا إنَّ سُكنى المُدن تُقلّل المرُوءَات، ولَكنَّها لا تُلغيها، بمَعنَى أنَّ الشَّخص عِندَما يَسكن المُدن يَتخلّق بأخلَاقها؛ ويَنسَى أخلَاق القَرية.. فمَثلًا في المَدينة الوَاجبات كَثيرة، والأوقَات قَصيرة، لذَلك يَستحيل عَلى المَرء أن يُنجز كُلّ شَيء، بَينما الحَال يَختلف في القَرية أو المَدينة الصَّغيرة، فالوَقت فِيهِ بَركة، والأشغَال قَليلة، والطُّرقَات خَالية مِن الزِّحَام..! يُقال فِيما يُقال: إنَّ أحد الأعرَاب زَار قَريبًا لَه في جُـدّة، وحِين الزِّيَارة لَم يَحتفِ صَاحب البَيت بضَيفهِ؛ الاحتفَاء المُتعَارف عَليه عِند أهل البَادية، فأقَام الضّيف يَومين ثُمَّ غَادر إلَى قَريته، بَعد أن تَرَكَ عَلى طَاولة صَاحب المَنزل؛ وَرقَة فِيها هَذان البيتَان: جعْل المَطر مَا يجي جُدّة لَو ربّعت كُلّ الأوطَانِ ديرة "مَجانين" ومصدّة مَا هي للأجوَاد مسكَانِ وهَذا الكَلَام -والذي نَفس "أحمد العرفج" بيَده- مِن أقسَى الكَلَام، ولَكنِّي سأُخرجه مَخرجًا جيّدًا، وأقول: لَعلَّ الله يَستجيب دُعَاء هَذا الشَّخص، لأنَّ المَطَر في جُـدَّة يُربك الحيَاة، ويُرعب النَّاس، أمَّا المَجانين فهي كَلِمَة أضفْتها مِن عِندي، بَدلًا مِن كَلِمَة غَير لَائقة، وقَد تَنطبق كَلِمَة "مَجانين" عَلى جَماهير الاتّحاد الغَفيرة؛ حِين يَفوز فَريقهم، أمَّا كَلِمَة "مصدّة" فهي وَصف للنَّاس التي تَصدّ عَنك في جُـدَّة، لأنَّهم مَشغُولون فِيمَا يَعنيهم، لَا مَا لَا يَعنيهم، ومِن حُسن إسلَام المَرء تَرْكُه مَا لَا يَعنيه..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: إنَّ سُكنى المُدن لا يَقتل المرُوءَات؛ وإنَّما يُقلّلها، لأنَّ حَيَاة المُدن عَامِرَة بالإنتَاج والأشغَال والأعمَال..!! تويتر: Arfaj1 تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :