يتطرق مكسيم يوسين، المعلق السياسي لصحيفة "كوميرسانت"، إلى الحملة العسكرية الروسية في سوريا، والتي مضي عامان على بدئها. كتب يوسين: قبل سنتين في 30 سبتمبر/أيلول 2015 انخرطت روسيا في الحرب السورية، بعد موافقة مجلس الاتحاد الروسي على القيام بعمليات عسكرية هناك. وقد نفذت طائرات القوة الجو-فضائية الروسية في اليوم نفسه أولى غاراتها على مواقع خصوم النظام السوري. وخلال هاتين السنتين، كانت هناك إخفاقات ونجاحات، انتصارات استراتيجية ولحظات مقلقة. وكانت أكثر اللحظات توترا - تلك التي حدثت في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إثر إسقاط تركيا قاذفة القنابل الروسية "سوخوي-24" في الأجواء السورية. وبعد هذه الحادثة تحولت تركيا من شريك إلى خصم محتمل، الأمر الذي عقَّد وضع المجموعة العسكرية الروسية في سوريا. بيد أنه في نهاية الأمر تم تسوية النزاع بين البلدين واستعيدت العلاقات تدريجيا. ومن الأنباء المزعجة الأخرى، كان استيلاء "داعش" ثانية على مدينة تدمر التاريخية في نهاية عام 2016، بعد مضي تسعة أشهر على تحريرها وشهرين على الحفل الموسيقي، الذي قدمته فرقة فاليري غيرغييف الموسيقية الروسية. www.annahar.com حفل الفرقة الموسيقية الروسية في تدمر وبالطبع، كانت الانتصارات خلال هاتين السنتين أكثر بكثير، حيث يمكن اعتبار تحرير مدينة حلب في ديسمبر/كانون الأول عام 2016 منعطفا مهمًا في الحرب السورية. وبعد هذا الانتصار أصبح واضحا أن الغارات الجوية وحدها غير كافية لتحقيق النصر النهائي، لذلك كان من الضروري مساهمة الخبراء العسكريين والقوات الخاصة الروسية في العمليات البرية، التي تقوم بها قوات الحكومة السورية من دون نجاح ملحوظ. ففي عملية حلب، ظهر تغير واضح في سير المعركة، حينها أصبح واضحا أن الخطط الجديدة يضعها أشخاص آخرون، غير الذين كانوا يضعونها في السابق. لقد أصبح تحرير حلب نقطة تحول كبير وضربة هائلة للمعارضة غير المرتبطة بـ "داعش". فبعد أن فقدت هذه المعارضة معقلها الرئيس، أدرك قادتها عدم جدوى المقاومة، وأن تدخل الروس جدي، ويجب التحاور معهم. وكانت النتيجة تنشيط عملية السلام (بما فيها مفاوضات أستانا)، وظهور مناطق وقف التصعيد، والأهم من كل ذلك هو تهيئة ظروف تسمح بنقل القوات الحكومية إلى جبهات أخرى في مواجهة "داعش"، بما فيها مدينة تدمر، التي تم تحريرها ثانية في مارس/آذار 2017، وتقليص مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة "دولة الخلافة"، وأخيرا استعادة دير الزور. واليوم، بفضل الجهود التي بذلها ائتلافان مناهضان للإرهاب (الروسي–الإيراني، والأمريكي)، يمكن القول إن الانتصار تحقق عمليا في المعركة ضد "داعش"، وإن "دولة الخلافة" ستصبح في خبر كان عما قريب كما في سوريا كذلك في العراق. بيد أن هذا مع الأسف لا يعني نهايتها تماما. اولا، تبقى هناك مجموعات إرهابية أخرى مثل "جبهة النصرة"، التي تسيطر على محافظة إدلب. وثانيا، تقسيم مناطق المسؤولية لم ينته، بل هو في بدايته. وهذا يلاحظ في الاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن بشأن التصرف في منطقة دير الزور، حيث تَقابل الائتلافان على ضفتي نهر الفرات. وخلافا لأحداث عام 1945، لم يصبح الفرات نهر إلبه (في ألمانيا، والذي التقى على ضفتيه في نهاية الحرب العالمية الثانية جنود الجيش الأحمر السوفيتي وجنود القوات الأمريكية الحليفة - المترجم)، إذ ليس في نية أي من الجانبين الآن التوقف، بل يريد كل منهما تعزيز مواقعه في المناطق المحررة، وهذا يخلق خطورة حدوث اشتباك مباشر بينهما. وثالثا، هناك عامل الكرد في المنطقة، الذي تفاقم بعد إجراء استفتاء كردستان العراق. وهذا العامل يهدد بالتحول إلى قنبلة موقوتة موضوعة ليس فقط في العراق بل وفي سوريا أيضا. أما بالنسبة إلى موسكو، فقد حققت أهدافها في الحرب السورية، حيث صمد نظام بشار الأسد، ولا أحد يتحدث عن إطاحته والاستيلاء على دمشق. وبخلاف عام 2015، يتم اليوم غلق ملف مشروع "الخلافة الإسلامية". ولكن، تظهر مقابل هذا أسئلة عديدة: ماذا بعد؟ وإلى متى ستبقى القوات الروسية في سوريا؟ وهل هناك استراتيجية لانسحابها؟ ليس هناك اليوم أجوبة واضحة على هذه الأسئلة، لأن الأوضاع غير مستقرة وتتغير بسرعة. ترجمة وإعداد كامل توما
مشاركة :