قصص صادمة عن الواقع المنهار للمرأة العراقيةقصص عراقية كثيرة صدرت بداية القرن التاسع عشر عند بدء الصحافة الورقية، مثل قصص محمود أحمد السيد 1925، ذو والنون أيوب 1934، وأكرم الوتري 1945، وغيرهم. وكان أولئك الكتَّاب يطلعون بدور المصلح الاجتماعي، للدفاع عن أفكار حديثة وردت إلى المجتمع العراقي بعد الاحتلال البريطاني للعراق في العام 1917. وبالنظر إلى الظروف المتشابهة في العراق بين قرنين. بدايات القرن العشرين، والواحد والعشرين، وكلاهما بدأا باحتلال أجنبيّ. الأول بدعوى تحريره من الحكم العثماني، والثاني العام 2003 بتحريره من حاكميه. عاد المنهج الإصلاحي إلى القصة العراقية المعاصرة ولو بشكل مختلف.العرب فيصل عبدالحسن [نُشر في 2017/09/30، العدد: 10767، ص(17)]معاناة النساء العربيات التي لا تنتهي (لوحة للفنان لؤي كيالي) خمس عشرة قصة ضمتها المجموعة القصصية الجديدة “غسل العار” للقاصة العراقية صبيحة شبر، وهي مجموعتها القصصية السادسة بعد مجموعاتها: “التمثال” صدرت في الكويت العام 1976 و”امرأة سيئة السمعة” في مصر 2005 و”لائحة الاتهام تطول” في المغرب 2007 و”التابوت” في مصر 2008 و”لست أنت” في قطر 2012. جسدت قصص المجموعة الصادرة عن دار فضاءات بعمان، واقع المرأة العراقية، ومعاناتها من ولادتها في محيط يحمل عادات قديمة وحتى وفاتها، متلفّعة بالسواد الدائم. ثياب سُود، وواقع أكثر سوداويّة في ظل واقع اجتماعي، وسياسي يتخلف إلى الوراء كل يوم. وسلطت الأضواء على أوضاع المرأة، وقد عاد بها الزمن إلى الوراء إلى القرون الوسطى، فبدت أسيرة تقاليد وعادات لا تمتّ للقرن الحادي والعشرين بصلَة. تعرية المجتمع تقول القاصة صبيحة شبر لـ”العرب” عن المرأة العراقية، التي أخذتْ معالجات وضعها في مجموعتها الجديدة “كتبتُ قصصي ورواياتي، مستلهمة الواقع، محاولة أن أكشف المساوئ والعيوب التي يعاني منها الناس. وتتسبب في أحزانهم وأتراحهم. الكاتب ليس مصلحا اجتماعيا، حتى يعيّن الداء، ويصف الدواء بل هو إنسان يتضامن مع البشر في مجتمعه، الذي يعاني من الظلم والتهميش، فيحاول أن يتعاون مع الناس، ويقف بجانبهم”.المجموعة سلطت الأضواء على أوضاع المرأة، وقد عاد بها الزمن إلى الوراء إلى القرون الوسطى، لتجعلها أسيرة التقاليد تضيف الكاتبة “في قصصي، أحرص على الأسلوب، الذي يتضمن جانبين أساسيين هما المعنى والمبنى، ومن الطبيعي أن تهمني التقنيات القصصية، وأحاول أن أحدثها دائما في ما أكتب. الكتابة فن من الفنون الجميلة، ويجب أن تتوفر فيها عناصر الفنون مع حرص الكاتب على أن يكون إبداعه مفهوماً من قبل المتلقي، وليس غامضاً بحيث يصعب تفسيره. أحرص على الكتابة للناس جميعاً، وليس لفئة واحدة منهم. وقد تناول النقاد المنصفون قصصي بالدراسة والتحليل ومنحوها حقها من النقد البناء المنصف”. وأضافت شبر حول طفولتها وقراءاتها “قرأت الكثير من القصص العربية والأجنبية، منذ صغري وأنا أهوى القراءة، ولقد أعجبت بتشيخوف كثيرا وفي العالم العربي قرأت للكثيرين أيضا، كما تمَّ اختياري في لجان تحكيم لعدد من مسابقات القصة القصيرة والقصيرة جداً في كثير من المواقع الثقافية والمنتديات. أحب القراءة كثيراً. لكنني لا أحب ان أقلّد أحداً من كتاب القصة. لا أحب التقليد في كل الأمور. اُحاول أن يكون لي الأسلوب الخاص بي، ولقد أصدرت ست مجموعات قصص قصيرة حتى الآن”. حملتْ عتبة المجموعة “غسل العار” مَضَنّة معالجات اجتماعية كثيرة سببتها الحرب، التي كانت أولى ضحاياها النساء، لذلك جاءت قصص المجموعة لتنقل لنا صراخاً حاداً، لهؤلاء النسوة، المقموعات على لسان قاصة من جنسهن. اكتوت بألوان الاضطهاد، فهي مدرّسة عربية نزحت عن العراق منذ سبعينات القرن الماضي بسبب أفكارها اليسارية. وعادت إليه بعد أربعين عاما لتجده أكثر تخلفا، والمرأة فيه أكثر استعبادا.كشف الغطاء عن "غسل العار" صوت النساء تنتصر صبيحة شبر في معظم قصص مجموعتها للنساء، ابتداء من القصة الرئيسية “غسل العار” التي تحكي فيها قصة د.سميرة، التي تعمل أستاذة في الجامعة. يتقدم ابن عمها لها طالبا الزواج منها، وهو لم يكمل الشهادة الثانوية بعد، فترفضه لعدم التكافؤ، فيقرر منع أي خطيب يتقدم لها، ولا يكتفي بهذا بل يلصق بها تهمة الزنى. ويعلن ذلك بين الجيران، فيجتمع عليها خلق كثير من ابناء الحي. وتقتل د. سميرة شر قتلة بأيديهم، ثم يكشف عليها الطبيب الشَرعِيّ، ويثبت في شهادة الوفاة، أنها كانت عذراء. وفي قصة “الانتحار” يحاول الابن التوفيق بين أبيه وأمه. ويحاول في الكثير من المرات أن يمنع أباه من تعنيف أمه، لكن أباه يزداد عنفا ضدها. وفي إحدى المرات يهين الأب الأم أمامه ويحط من قيمتها؛ فينبري للدفاع عن أمه، ومنع أبيه من ضربها، لكنه لا ينجح. وحين يجد الابن أنَّ أخلاق أبيه لا تتغير من جهة أمه، مهما بذل من محاولات، فيقرر الانتحار، فيغادر إلى غرفته، ويشنق نفسه بمروحة السقيفة. وفي قصة “الشرنقة” تجعلنا القاصة نقف على حقيقة حريق أدى إلى الكثير من الخسائر في البيت المحروق. ويُتهم أخو بطلة القصة بارتكاب الحريق، ولكن الشرطة تقرر سجنها، حتى يسلم أخوها نفسه للشرطة. وفي قصة “للحرية حدود”، نجد بطلة القصة شابة في الـ18 من عمرها ترى الحرية في ممارسة التدخين علانية أمام أهلها، وترتدي ما يحلو بعينها من ملابس غير محتشمة، فيجعلها هذا في صدام دائم مع العائلة. التي ترى أنَّ لحرية الفتيات حدوداً لا يجب أن تتخطاها الفتيات اللاتي بعمرها. قصص صادمة لواقع المرأة العراقية المنهار، حملتها مجموعة “غسل العار” لقارئها، مما يجعل التساؤل مشروعا. ما الذي تبقى من المرأة العراقية بعد كل هذا التعسّف والظلم للنساء؟ والذي نقلته لنا الكاتبة بلغة شعرية وسرد راق في كل قصة من قصص المجموعة.
مشاركة :