كلما أسمع أخباراً عن التطهير العرقي والإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا في دولة ميانمار، بورما سابقاً، أتذكر الإبادة الجماعية للشعب السوري والعراقي واليمني، فقبل أيام قليلة حدث انفجار في الناصرية، المدينة الوادعة على نهر الفرات، وذهب ضحيتها عدد غير قليل من أبناء شعبنا المسكين المغلوب على أمره، وقبلها كانت هناك مجازر لميليشيات في مدينة ديالى، في عملية تطهير عرقي، وهناك مهجرون غير مسموح لهم بالعودة إلى ديارهم بحجة محاربة داعش. وملايين السوريين مهجرون داخل مدنهم وخارجها يتوسلون العالم للحفاظ على حياة أولادهم الصغار من العنف المفرط والتغيير الديموغرافي. وملايين اليمنيين الذين يعانون الجوع والأمراض والأوبئة والقتل، وإزاء هذه الأخبار أتساءل: هل مجازر الروهينغا في ميانمار هي مأساة إنسانية أم مأساة إسلامية؟ في الحقيقة إنها مأساة إنسانية مثلها مثل المآسي العراقية والسورية واليمنية والفلسطينية؛ حيث ضحيتها أناس أبرياء بغض النظر عن ديانتهم أو مذاهبهم. إنسان يتعذب على يد أخيه الإنسان بدوافع لا عقلانية تتعلق بخرافات تعزى إلى أديان متعددة، ومذاهب شتى أو تعصب قومي شوفيني، وبالنتيجة لا نحصل على أية غلبة لأي دين أو مذهب، أو قومية، نحصل فقط على إنسانية معذَّبة ومهجرة وقتل بأبشع الطرق والوسائل. وفي المقابل، فإنني أراها مأساة إسلامية، ليس لأنهم مسلمون مضطهدون فقط، ولكن لأن المسلمين الآخرين عندنا منشغلون بمهمات إسلامية انتقامية تجاه مسلمين آخرين يختلفون معهم بسبب انتمائهم إلى دولة أخرى أو مذهب آخر أو حتى وجهة نظر أخرى لنفس الدين والمذهب. أليست هذه مأساة إسلامية من نوع آخر وتؤدي بالنتيجة إلى مآسٍ إنسانية أيضاً؟ ولهذا السبب نراهم منشغلين جداً عن مسلمي الروهينغا وليس لديهم سوى عبارات الشجب والاستنكار دون المساهمة حتى ولو بالأموال لإيجاد مأوى مؤقت لهم أو توطينهم في أماكن بديلة أو مؤقتة لتخفيف الآلام عنهم ومساعدتهم على تجاوز محنتهم هذه، وبدلاً من ذلك فهم يصرفون الأموال الطائلة لتمويل أفعال مشابهة لهذه الإبادة الجماعية ضد المسلمين في مناطقنا. فإيران منشغلة بالتوسع في العراق وسوريا للمحافظة على مصالحها بحجة الدفاع عن مراقد مقدسة، والسعودية ودولة الإمارات منشغلتان ليس في سوريا فقط وإنما في حرب طويلة مع اليمنيين أو الحوثيين لا فرق؛ لأن مَن ذهب ضحية هذا الاقتتال هم اليمنيون جميعاً. ولا أحد من هذه الدول أو رؤسائها المسلمين يهتم بالدفاع عن الإنسان الذي هو أكثر قدسية من أي حجر أو نصب أو مذهب، الإنسان الذي كرمه الله في كل الأديان السماوية. إن الأموال تصرف هنا وهناك للمساعدة على قتل المسلمين بعضهم لبعض في منطقتنا، ولا تصرف على إخوة لهم مسلمين مهجّرين في الروهينغا أو العراقيين وكذلك السوريون. أما في اليمن فهم بحاجة فقط لإيقاف القتال للتفرغ لمواساة شعب عانى كثيراً ومنذ عقود على الاقتتال بحجج شتى والموت واحد. إن واحداً بالمائة فقط من تكلفة الحروب الإسلامية التي نشهدها الآن في منطقتنا يستطيع أن ينقذ ليس شعب الروهينغا المسلم المهجر والمعذب من الإبادة الجماعية فقط، بل وينقذ العالم الإسلامي كله من القهر والجوع والدمار والجهل. هذا الجهل الذي أصبح سمة أساسية من سمات المسلمين في العالم أجمع، يعلمونهم التعصب الأعمى والأفكار البالية، ولا يعلمونهم الثقافة العامة؛ ثقافة الصفح والاحترام المتبادل، ثقافة الاستماع للرأي الآخر، ثقافة احترام المرأة وعدم الإساءة لها، وكانت النتيجة هذه الحروب الطائفية العبثية. إننا عندما نقول ذلك لا نهدف إلى التهوين من كارثة شعب الروهينغا الذي يتعرض لأبشع أنواع التطهير العرقي من قِبل بوذيين وحكومة تساعدهم بدوافع دينية وشوفينية متعصبة ضد شعب مسكين أعزل تحت ذريعة مكافحة الإرهاب أيضاً. ولكننا نسلّط الضوء على تناقضات سياسيين من أدعياء الدين عندنا وكذبهم وخداعهم للناس وهم يبررون أفعالهم اللاإنسانية بتبريرات دينية، ويستخدمون الفضائيات للترويج لأفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة لدفع الشباب لتبنّي هذه الأفكار والاحتراب فيما بينهم؛ لتسهيل السيطرة عليهم وقيادتهم نحو المجهول. إن مَن كان يعتقد أنها صحوة إسلامية في منطقتنا ما هي إلا سقوط في فخ المؤامرة باسم الإسلام، كان الغرض منها تحويل المبادئ الإسلامية الخيرة التي كنا نؤمن بها إلى مشاريع طائفية مزقت المجتمعات العربية، وحولت الإسلام إلى منظمات إرهابية، ومشاريع لثورة إسلامية وهمية لم نجنِ منها سوى الفرقة والاقتتال من أجل أهداف براقة مشبوهة؛ فالثورة السورية التي اختطفها الإسلاميون رست سفينتها بعد فيض من الدماء على التهجير وتدمير المدن وملايين من الأيتام والأرامل. أما الثورة الإسلامية المزعومة في العراق فلم نحصل منها إلا على الخراب والفساد وآلاف الشهداء والعاطلين عن العمل والمهجرين مع تدمير كامل لمدن عريقة. إن المفاهيم الأخلاقية والقيم الإسلامية الحقيقية قد اهتزت عندنا، ولم نعد نفرق بين العدو والصديق أو الأخ والجار، وبدلاً من مد يد المساعدة إلى إخوة لنا في وطن واحد يجمعنا، نطلق النار عليهم، وهكذا نجد التطهير العرقي للروهينغا مستمراً إلى يومنا هذا دون رادع من أحد، ونجد إخوة لنا في أصقاع العالم يحتاجون لنا ونحن ندير ظهورنا لهم، والسبب في كل ذلك أننا بدلاً من أن نتقدم إلى الأمام أسوة بالعالم المتمدن، نهرب إلى الماضي فنُخرب بيوتنا بأيدينا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :