جزء من شجرة كبيرة! - مقالات

  • 10/1/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إن أوراق الأشجار تظل حية ومنتعشة ما دامت متصلة بالأغصان. والأغصان تظل حية ومنتعشة وتمد الأوراق بالغذاء ما دامت متصلة بالشجرة الكبيرة. ان الأوراق من خلال تلك الصلة تحافظ على وجودها ورونقها وتستمد غذاءها وتقاوم التغيرات البيئية والأمراض المختلفة لأنها جزء من شجرة كبيرة لها جذور في التربة تستمد غذاءها من تلك التربة الخصبة المؤهلة لمدها بما تحتاج إليه من غذاء وزاد، ويبدأ كل هذا بالفقدان والاضمحلال في اللحظة التي ينفصل الغصن عن الشجرة الكبيرة أو تنفصل الورقة عن الغصن فتسير في طريق الذبول وخسران الذات إلى أن تصبح هباءً منثوراً. إن اتصال وارتباط الأشياء بتيار الحياة العام يجعل في البشر الحيوية والنمو والقوة والفائدة وهذه سُنة الله ماضية في خلقه، وكذلك من سنن الله أن يجعل الضعف والاضمحلال والجمود وفقدان الوظيفة متصلة بالعزلة والتهميش بعيداً عن المسؤوليات والتحديات والمهمات. لقد بُذلت جهود كثيرة خلال الأعوام الماضية وما زالت في سبيل إصلاح حال المرأة المسلمة، ولكن هذه الجهود التي بذلت في تنمية المرأة في خضم الحركة الاجتماعية كلها تصب في قالب واحد وفي أمور محددة، ولتكرار الأشياء وتقييدها بذلك القالب تم تهميش دور المرأة في نهضة الأمة وتطوير المجتمع. نتصور أن المطلوب من الجهود المبذولة في الإصلاح والتنمية تنويع تلك القوالب وصب فيها ما يؤهل المرأة ويجعلها عالمة وكاتبة ومفكرة مبدعة، وداعية مؤثرة وزوجة جيدة وأماً ممتازة، ورائدة في العمل التطوعي والاجتماعي. إن الذين يشكلون قوالبهم حسب أهوائهم ويعملون بها وفق العادات والتقاليد يريدون من المرأة أن تكون شيئاً مختلفاً عن الرجل في كل شيء ما لم تلجئهم وتضطرهم الضرورة والضغوط إلى تسويتها بالرجل! وهذا بعيد كل البعد عن المنهج الرباني القويم. وإذا رأينا إلى من يسعى إلى تهميش المرأة وعزلها عن تيار الحياة العام، فإنه بلا شك يأرب إلى اضمحلال شخصيتها، وجمود وظيفتها حتى تصبح في فراغ روحي وفكري رهيب وخواء ذهني مخيف إلى أن استوطنت وسكنت الأسواق وأصبحت المرأة المسلمة اليوم تنفق على الزينة والحلي والثياب أضعاف ما تنفقه المرأة الغربية، وهذه مفارقة عجيبة... كيف يصبح من يؤمن بالله واليوم الآخر مشغولاً ولاهياً بزخارف الحياة أكثر من الذي لا يؤمن ولا يرى أن هناك حياة أخرى غير هذه الحياة التي يعيشها الآن! نحن في أمس الحاجة إلى اكتشاف المرأة المسلمة واكتشاف قدراتها وإمكاناتها ومواهبها، وحين نُفعّل ذلك سندرك تماماً أن الأمة تكبدت خسائر عبر القرون الماضية من خلال عزل المرأة عن مجرى الحياة وتهميشها، وكانت الخسارة فادحة وجسيمة. علينا بالاعتدال في جميع مناحي الحياة التي تخوضها المرأة لتقوم بأدوارها المطلوبة منها على جميع الأصعدة بإتقان ودقة، وليس من الصواب أن نعتقد ونصيّر هذا الاعتقاد على أنه دستور أن انخراط المرأة في صخب الحياة وتيارها المتدفق من غير ضوابط وحدود ومن دون تقنين هو عبارة عن مجموعة من الإيجابيات والخيرات والبركات للمرأة وللمجتمع، بل على العكس فهذا الاعتقاد يصادم اعتقادنا الذي نؤمن به في هذه الحياة بأنه لا يوجد خير مطلق وخالص أو شر مطلق وخالص، فللعيش على الهامش مشكلاته وسلبياته، وللعيش في بؤرة الأحداث مشكلاته وسلبياته أيضاً. من اختارت بملء إرادتها العيش على هامش الحياة وهامش المجتمع وليس لديها أي طموحات ولا تطلعات ولا تمتلك شيئاً مميزاً يمكن أن تقدمه للناس أو تتقدم وتتقادم من خلاله، وتقتنص الفرص للتهرب من تحمل المسؤوليات فلا تحارب وتصارع من اختارت الاتصال والارتباط بتيار الحياة حتى ترتقي وتعلو وتكون عنصراً فعالاً في المجتمع وتكون عالمة ومفكرة وكاتبة متميزة وداعية جاذبة وزوجة وأماً فائقة، ومن واجبنا أن ننشر الوعي بأخطار العزلة والرضا بالانزواء والوقوف موقف المتفرج، وعلينا كذلك أن نقاوم كل سياسات التهميش الظالم والباغي الذي يمارس ويزاول في أي مجال من المجالات. m.alwohib@gmail.com mona_alwohaib@

مشاركة :