يعد كتاب "الحصاد الأسود" لمؤلفه اللواء عبدالحميد خيرت نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، ورئيس المركز المصرى للدراسات والبحوث الأمنية، رؤية نقدية وسجلا تاريخيا لفهم ورصد تطور الأحداث قبل ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها من سلبيات نتيجة ممارسات جماعة الإخوان المسلمين، متسائلا هل ما حدث في ثورة 25 يناير ثورة شعبية أم خطة ومؤامرة موضوعة تم تنفيذ خطواتها بكل دقة ليس في مصر فقط بل في منطقة الشرق الأوسط عامة. جاء اختيار اللواء عبدالحميد خيرت لعنوان الكتاب – "الحصاد الأسود" – كعنوان ليعبر عن الأوضاع التي آلت إليها مصر ومنطقة الشرق الأوسط تحت مسمى "الربيع العربي"، ولذلك العنوان مغزى كبير في التعبير عن حجم النتائج السوداء لذلك الربيع من أوضاع غير مستقرة وخراب دول والسعي لتقسيمها مثل العراق، سوريا، وليبيا. يتناول الكتاب الصادر عن دار روزنامة العديد من القضايا والأحداث المتعلقة بالربيع العربي وعرض لتسلسل تلك الأحداث ونتائجها حتى وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم استنادا على ما يعرف بـ "خرائط الربيع العربي"، نلقي الضوء على أهمها: يتحدث الكتاب عن تكلفة الربيع العربي على المجتمعات العربية تحت مسمى الحرية والديمقراطية والكرامة الاجتماعية، وقد جاء ذلك واضحًا في حجم الخسائر في البنية التحتية والناتج المحلي الإجمالي وأسواق الأسهم والاستثمارات بخلاف التكاليف المادية للاجئين نتيجة الحروب والنزاعات السياسة التي أشعلها مخطط الربيع العربي وتقدر بـ 833.7 دولار. ولم تقف الخسائر عند الناحية الاقتصادية فقط بل أصبح هناك خسائر بشرية وتقدر بملايين القتلى والجرحى، وآلاف اللاجئين من جنسيات مختلفة، علاوة على انخفاض عدد السياح بمنطقة الشرق الأوسط لعدم توافر عوامل الأمن والأمان نتيجة النزاعات والحروب. ويشير اللواء خيرت إلى تقرير الربيع العربي "إن التكلفة البشرية التي تكبدها العالم العربي بفعل الربيع العربي في الفترة ما بين العام 2010 و2014 وصلت إلى حوالي 1.34 مليون قتيل وجريح بسبب الحروب والعلميات الإرهابية، وبلغ حجم الضرر في البنية التحتية ما يعادل 461 مليار دولار عدا ما لحق من أضرار وتدمير للمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن. وبلغت الخسارة التراكمية الناجمة عن الناتج المحلي الإجمالي الذي كان بالإمكان تحقيقه، 289 مليار دولار عند احتساب تقديرات نمو الإجمالي المحلي نسبة إلى سعر صرف العملات المحلية. أيضا خسائر أسواق الأسهم والاستثمارات تجاوزت 35 مليار دولار حيث خسرت الأسواق المالية 18.3 مليار دولار وتقلص الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 16.7 مليار دولار. كما يرصد الكتاب المُخطط الأساسي لتلك المؤامرة على البلاد العربية وهي استكمالا للمخطط التاريخي المسمى باتفاقية سايكس بيكو؛ تلك الاتفاقية التي قسمت ومزقت الوطن العربي الكبير الى دول متصارعة مُتناحرة فيما بينها؛ التي انتهت فعليا ورسميا في عام 2016. ويتحدث عن تسلسل الأحداث تاريخيا منذ الحرب العالمية الأولى والثانية مرورًا بالرئيس جمال عبدالناصر والرئيس السادات. عمد اللواء عبدالحميد خيرت إلى الحديث عن "وثائق كيفونيم" وهي مجموعة وثائق إسرائيلية أسهب "أوديد يينون" في الحديث عنها، وهو صحفي ودبلوماسي إسرائيلي ومتخصص في مجال البحوث المنصبَّة على علاقات إسرائيل بالعالم العربي وداعية للسلام اليهودي غير متصهين، وتلك الوثائق تعطي شرحا واضحا للخطة الصهيونية لتجزئة العالم العربي وتفتيته إلى دويلات صغيرة. كما حرص على إظهار الدور المهم الذي لعبه المستشرق البريطاني الأميركي اليهودي "برنارد لويس" والأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة "برنستون" الذي قام في عام 1980، بتكليف من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) بوضع مشروع خاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية. وقد تحدث المؤلف عن الكاتب والمفكر والفيلسوف الفرنسي "برنارد هنري ليفي" والذي ارتبط بالمخابرات الإسرائيلية مما جعل صحيفة "جيروزاليم بوست" أن تصنفه من أهم 50 شخصية يهودية أثرت في العالم، وتحدث أيضا عن أدوات الفوضى بالشرق الأوسط ومنها "جاريد كوهين" شاب يهودي أميركي شارك بقوة في حمى الفوضى التي اجتاحت المنطقة العربية من 2010. أما الأداة الثانية للفوضى وكبير ملهمي ثورات الخراب في منطقة الشرق الأوسط فهو "جين شارب". كما كشف اللواء عبدالحميد لقاءات ليفي بالإخوان ودوره في 25 يناير وحضوره في ميدان التحرير، ونقل عنه اعترافه "إنه في مصر تم تفعيل استخدام الفيسبوك"، "وأنه "قد استخدم وائل غنيم للقيام بهذه المهمة"، كما قال ليفي أيضا "نعم وقفت في ميدان التحرير وكنت أدفع من جيبي الخاص لهذه الثورة" دون أن يحدد طبعا كيف يدفع ولمن يقدم المال ولماذا والأهم من يموله؟ وأضاف "ليفي الذي تربطه علاقة قوية بجماعة الإخوان الإرهابية شارك في المؤتمر التأسيسي لما يسمى (المجلس الثوري المصري) التابع للتنظيم الدولي الذي تبناه الرئيس التركي رجب طيب أردغان في اسطنبول وقام بتسخير المنابر الإعلامية التركية للدعاية لهذا الكيان الجديد. ليفي أيضا سبق له أن زار مكتب إرشاد الجماعة مطلع العام 2012 ولذا تم الاستعانة به في نهاية عام 2013 بعد سقوط حكم الإخوان ليكون وسيطا لهم لدى مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي ليسوق خدمات التنظيم الدولي مقابل دعم هذه الدول مساعي الإخوان في العودة إلى الحكم". وتطرق المؤلف بعد عرضه لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي والتدخل الأميركي وأدواته في منطقة الشرق الأوسط في الحديث عن الشرارات التي سبقت ثورة 25 يناير وقت حكم الرئيس محمد حسني مبارك وظهور نجله "جمال مبارك" في المشهد السياسي، ونظرية توريث الحكم وما يقابلها من ظهور المعارضة لتلك النظرية متمثلة في أشخاص مثل "محمد البرادعي" أو "حركة كفاية"، فقد عملت المعارضة على بث روح الثورة ورفض تلك الأوضاع وقد ساعد في ذلك سوء الأحوال الاقتصادية. كما حرص المؤلف أيضا على إظهار الدور الأساسي الذي لعبته بعض الدول العربية مثل قطر وتركيا في نشر روح الثورة ودعمها بكل قوة حتى استطاعت جماعة الاخوان المسلمين الوصول لحكم مصر، فقد أصبح أحد قادة جماعة الاخوان المسلمين "محمد مرسي" رئيسًا لجمهورية مصر العربية، والذي عمل على تنفيذ كل مخططات جماعة الاخوان المسلمين دون الالتفات لجماهير الشعب المصري الذي أدرك أن محمد مرسي كان ضحية قادة التنظيم أنفسهم، فقد كان مكتب الإرشاد هو مكان اتخاذ القرارات والمرشد هو الحاكم الحقيقي في كل شيء دون إعطاء أي مساحة لـ "محمد مرسي" لاتخاذ إي قرار منفردًا، ولذلك كان مسار الأحداث خلال أشهر رئاسته الأخيرة يؤكد أن من يحكم هو مكتب الإرشاد وليس مرسي. وأكد أن الإخوان خدعوا المصريين وأنها عندما فشلت في عمليات الفكر والتخطيط والفهم السياسي والديني لجأت للعنف، وذلك منذ تولى محمد مرسي حيث استعان بمليشيات خاصة واستغني عن مؤسسات الدولة، باختصار فإننا أمام جماعة طلقت الدين بـ "الثلاثة".. طلاق الدين كان مرادفا طبيعيا لاغتيال مصر". وهنا جاء دور المؤسسة العسكرية والتي كانت تتابع مؤسسة الرئاسة وتقوم بقراءة وتحليل كل تلك القرارات والأحداث ولكن بوجهة نظر مختلفة، حيث اتسمت بالحيطة والحذر على مصلحة البلاد أرضًا وشعبًا، حتى جاءت الساعات الأخيرة الحاسمة والتي توافدت فيها الأعداد والجموع من كل الشوارع والميادين متمنية إزاحة تلك الصخرة عن صدور المصريين، وعلى الجانب الآخر كانت العجرفة في التصريحات هي السمة الأساسية لجماعة الإخوان في التعامل مع الوضع الراهن، في الوقت الذي بدأت فيه أعداد المتظاهرين في التزايد ردًا على تلك العجرفة، وتعالت النداءات بتنحي الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين عن الحكم، حتى جاء اليوم الثاني للمظاهرات الاثنين 1 يوليو وخطاب وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي وتأكيده على عدم انحياز القوات المسلحة إلا لرغبات الشعب المصري الذي أبدى رغبته الأكيدة في تنحي الرئيس محمد مرسي وخروج أكثر من 17 مليون متظاهر رافض لحكم جماعة الإخوان المسلمين. ولم يجد وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي سوى الخروج على الشعب المصري بخطاب يوضح فيه أن القوات المسلحة المصرية قد استشعرت أن شعب مصر يدعوها لنصرته وحماية المطالب الضرورية للثورة، وأوضح أن القوات المسلحة كان لديها أمل في الوصول لوفاق وطني ولكن دون جدوى، وهو الأمر الذي استوجب من القوات المسلحة استنادًا على مسؤوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب دون استبعاد أو إقصاء لأحد، ثم انتقلت بعد كل ذلك للقرارات التي غيرت وجه مصر وتعبر عن رغبة أبنائها الشرفاء وهي خارطة طريق تنص على مجموعة قرارات منها تعطيل العمل بالدستور ويؤدي رئيس المحكمة الدستورية إدارة شئون البلاد كرئيس مؤقت مع منحه سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال تلك المرحلة الانتقالية. وهنا أدرك المصريون أن كابوس الإخوان قد انتهى للأبد وانطلقت الاحتفالات بالشوارع والميادين بكل محافظات مصر. محمد الحمامصي
مشاركة :