أما كفانا جلدا للذات؟!

  • 10/2/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

ربما يصنف جلد الذات أحيانا في حقول الاضطرابات او الامراض النفسية... إلا أن هذه الظاهرة لم تعد فردية، لقد صارت إلى ما يشبه الوباء الجماعي، فامتدادات هذه الظاهرة حتى بين المتعلمين او من هم اقل درجة معرفة ووعيا.. صنع ضغطا مستمرا على الذات، حتى لو كان على سبيل التهكم والسخرية المرة. يصنف جلد الذات أحيانا في حقول الاضطرابات او الامراض النفسية... إلا أن هذه الظاهرة لم تعد فردية، لقد صارت إلى ما يشبه الوباء الجماعي، مما صنع ضغطا مستمرا على الذات، حتى لو كان على سبيل التهكم والسخرية المرة. هكذا تتردد ببساطة مقولات عابرة للمجالس والدواوين ومواقع التواصل : هؤلاء هم العرب.. إنهم لا يصلحون لشيء.. العرب أمة تنقرض.. العرب جرب.. ابتعد عن العرب!! ويأتي هذا غالبا تعليقا على حادثة أو ظاهرة أو عن جهل لا يدرك ان خلف كل ظاهرة دوافع وعوامل وأسباب بحثها أولى من الصراخ المستمر وجلد الذات والبقاء في حضن مفردات الاسقاط. لا استعين بالتاريخ لأستنجد به، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وان كانت الظاهرة التاريخية تخضع للتشريح والقراءة الواعية لا مجرد التغني بأمجاد عبرت ولكنها تبقى دلائل على مقومات وممكنات النهوض.. السؤال المهم، هل العرب مخلوقات قدرها الفشل والتراجع المستمر حتى اصبحوا في أسفل سلم الامم في حقل الإنجاز.. أم انهم شعوب تملك كل مقومات النهضة الا انها احتبست في واقع يراد منه ان يستمر ويستمر حتى التشظي والانهيار التام؟ ما الذي يختلف فيه العربي عقلا وتكوينا عن بقية شعوب الارض الناهضة والمنجزة والمتقدمة في حقل الحياة والانسان؟ ولماذا التعثر الدائم؟ أين تكمن علة العرب الكبرى التي جعلتهم اليوم يوصمون بالتخلف الذريع حد سيطرة اليأس من إمكانية النهضة او الصعود؟ الصورة النمطية للعربي في الغرب غالبا ما تستعيده فقط لحقل العنف والإرهاب والعجز فقط. وقد نجد أن هناك من يرى العرب ثمرة جينات تستعصي على تجاوز الاخفاق ومن الصعب تطويعها لقبول الانهماك في مسار التقدم والتأهيل لتجاوز واقعها المتردي.. وتلك نظرة عنصرية لا تختلف عمن يرى بعض البشر في قاع الامم لأن نوازعهم النفسية تسيطر على سلوكهم بفعل جينات لا يملكون لها ردا.. وتلك لا مكان لها لا في نظر العلم المحايد ولا في عدالة الخالق، وهي لا تختلف عمن يحيل انتشار الجرائم بين السود في المجتمعات البيضاء لجينات خلقوا بها يصعب التحكم في تأثيرها على سلوكهم العدواني. ربما يكفي أن نشير إلى دور البيئة التي عاش بها الكثيرون من ابناء العرب او الأفارقة السود في اوروبا وامريكا التي جعلت من كثير منهم مبرزين في علومهم ونشاطهم وانجازهم.. ومثل تلك القراءات العنصرية تريد ان تجعل التخلف سمة شعوب لا أمل فيها ولا رجاء!! هناك جهد محموم من البعض لاستدعاء التاريخ في سبيل ادانة العرب حتى من أبناء جلدتهم، ولكسر تلك الهالة من الاحترام المبالغ فيه لتاريخهم.. وهذا لا اعتراض عليه، لو كان في سبيل اكتشاف علل التاريخ بموضوعية وكشف ملابسات الوقائع واستخلاص الدروس.. انما ان يكون التوقف عند هذه الاشارات في سبيل التقليل من أي منجز حضاري للعرب والمسلمين، وإشاعة حالة من اليأس والاضطراب والإحباط، وغالبا لتحقيق نقاط في مواجهة طرف آخر. وأمام وقائع وحقائق يجب ان تكشف وقراءات يجب ان تستلهم تأتي أهمية التأسيس لوعي اعمق يكشف الخلل ليستعيد البناء على اسس قابلة للحياة وذلك لمواجهة حالة الانهيار الشامل الذي يكاد يُغرق العرب!! وبينما الحديث عن الدور الاستعماري في بلاد العرب الذي ساهم، بل أثر كثيرا في مجريات الاحداث خلال المئة عام الماضية، أخذ يخفت لصالح الاتهام بأن العرب مشكلتهم تكمن في إرثهم الثقافي القائم على الجبر والاستبداد وصناعة التخلف.. وكأنه قدرهم الدائم، مما جعل صراعاتهم تتوالد ويعاد انتاجها في كل مرحلة!! من يقرأ التاريخ يجب ان يقرأه بعين مفتوحة لا بعين مرمدة، ومن يريد ان يكتشف حال العرب اليوم عليه ان يبدأ من قراءة بواكير القرن العشرين، عندما صنعت سايكس/بيكو الدولة العربية وزرعت فيها بذور الشقاق.. وعندما غرست الكيان الاسرائيلي ليطيل امد الصراع وليعطل كل قوة ممكنة للعرب تلاشت مع حدود ومنطق الدولة الوظيفية.. وعليه كذلك ان يقرأ في الصراع الانجلو - اميركي بعيد الحرب العالمية الثانية، الذي ساهم في أكبر كارثة حاقت بالعرب في حقبة الانقلابات العسكرية والتي نرث اليوم نتائجها؟! وهذا ليس تبريرا لحال العرب اليوم، وليس لتبرير الإخفاق، ولكن يجب ان تكون حلقات الصراع بين القوى الكبرى في المنطقة العربية حاضرة في ذهن القارئ للمعضلة العربية.. وهي ليست أيضا حائلا دون ان ينهض العرب إذا استطاعوا ان يتخلصوا مع عوامل الاخفاق والتردي والتراجع التي كشفها مسار أكثر من نصف قرن من الاستقلال او ما سمي بالاستقلال لأنه لم يكن استقلالا حقيقيا، قدر ما كان ارتهان قوى محلية لقوى غربية في حلقات صراع لم تجن منها المنطقة سوى البؤس والدمار. من يريد من المفكرين والباحثين ان يقدم لأمته خيرا، فلا يجب ان يتوقف عند حدود كشف التباسات الماضي، ولا ان يظل يصارع خصومه بالنبش في المصادر القديمة لإدانة قراءة أخرى.. بل عليه أيضا ان يكشف طريقا او مشروعا لا يصادر إرث العرب لأن هذا محال، ولكن يعترف بأخطائه ويكشف التباساته، ويقرأه في ظروفه التاريخية، ويضع يده على العوامل التي جعلت الاخفاق مشروعا دائما في بلاد العرب دون ان يهمل كذلك المؤامرة الحاضرة لوأد مقومات الصعود في منطقة هي اليوم من أشد مناطق العالم توترا وصراعا. يصنف جلد الذات أحيانا في حقول الاضطرابات او الامراض النفسية... إلا أن هذه الظاهرة لم تعد فردية، لقد صارت إلى ما يشبه الوباء الجماعي، مما صنع ضغطا مستمرا على الذات، حتى لو كان على سبيل التهكم والسخرية المرة.

مشاركة :