كثر الجدل حول قضية الرواتب الاستثنائية للنواب، بعد أن أثارتها إحدى الصحف كقضية رأي عام وألبستها ثوب شبهات الفساد. الحقيقة أن الشكل الأولي للقضية قد يبدو وكأن هناك تنفيعاً وتكسباً نيابياً بغير وجه حق، بل وقد يبدو بأن الحكومة تصرف رواتب لأعضاء مجلس الأمة وهم مَنْ يفترض بهم الرقابة على هذه الحكومة! أما الواقع فهو مختلف تماماً عما يثار، وهنا يجب أن نؤكد على بعض المصطلحات والتسميات لأهميتها في فهم الموضوع، فالراتب الحكومي هو ما تصرفه الحكومة من ميزانية الدولة للعامل أو الموظف كأجر شهري، أما مكافأة النائب فهي تصرف من ميزانية مجلس الأمة كون النائب لا يحق له الجمع بين عضوية المجلس وتولي الوظائف العامة إلا في بعض الحالات، وهذا حسب نص المادة 120 من دستور دولة الكويت. أما ما تم تسميته - جهلاً أو تعمداً - بالراتب الاستثنائي من قبل نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، و«للأسف» من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة، هو بالحقيقة معاش تقاعدي استثنائي يصرف من صندوق التأمينات الذي يساهم فيه المشتركون، وذلك حسب نص المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية؛ وهو أمر مطبق منذ العام 1992 وحتى اليوم. لذا فإن الحديث حول عدم «قانونية» صرف المعاشات الاستثنائية للنواب ليس له قيمة، حيث ان الغطاء القانوني متوفر حالياً، ولكن المشكلة هي كلمة «استثنائي»، فنحن بطبيعتنا نرى أن الاستثناء فيه تمييز وربما تشوبه شبهات التنفيع والفساد، رغم وجود الغطاء القانوني له، وقد يلعب كذلك الاستياء العام من أداء النواب والفشل المتكرر في حل مشاكل وقضايا الناس دوراً كبيراً في رفض فكرة «الاستثناء»، خصوصاً أن النائب يتسلم مكافأة شهرية كونه عضواً في البرلمان. الحقيقة أنني أتفهم محدودية مكافأة النائب الحالية التي تقدر بـ 2300 دينار كويتي، فهي لا تعتبر متناسبة مع الموقع الحساس جداً للنائب كعضو في سلطة تشريعية ورقابية، ناهيك عن عدم مناسبته مع ما طرأ منذ إقراره من التضخم النقدي وارتفاع تكاليف المعيشة، لذلك قد يسهل إفساد النائب وشراء ذمته، بل ربما يكون أحد أهم أسباب الفساد وشراء الذمم وتضخم أرصدة بعض النواب، ولكن الحل ليس بالمعاش التقاعدي الاستثنائي، إنما يأتي الحل عبر تفعيل المادة 119 من الدستور التي تنص على أن «تعين بقانون مكافآت رئيس مجلس الأمة ونائبه وأعضاؤه، وفي حالة تعديل هذه المكافآت لا ينفذ هذا التعديل إلا في الفصل التشريعي التالي»؛ أي أن الأعضاء الذين يقرون التعديل لن يستفيدوا منه مباشرة، بل في حال فوزهم بعضوية المجلس التالي، وبهذه الطريقة يكون الأمر عاماً وليس استثنائيا، يشمل جميع النواب ولا تشوبه أي شبهة فساد. في الختام، رغم الضجة الكبيرة التي حدثت بسبب هذه القضية، إلا أن الموضوع سليم قانونياً، ولكن حالة التذمر الشعبي بسبب فشل البرلمان في حل الملفات العالقة والعجز عن معالجة الملفات المهمة كقضية عودة الجناسي المسحوبة؛ والعفو الشامل؛ وتحقيق الانفراج السياسي، والبدء في تنفيذ خطط التنمية، تجعلنا نرفض فكرة استثناء النواب وحصولهم على معاشات غير المكافأة الخاصة، لذلك يفترض أن يتم العمل وفق الدستور وتفعيل المادة 119 بأن يقر البرلمان في بداية كل فصل تشريعي المكافأة التي تتناسب وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق النواب وأن يبتعدوا عن الاستثناءات، وإن كانت قانونية. dr.hamad.alansari@gmail.com twitter: @h_alansari
مشاركة :