من الأمور المتفق عليها بين المواطنين الكويتيين، أن الحكومة وبعض التجمعات السياسية المتنفذة، تحرص على خلق أزمات، غالبا ما تكون مكررة، من أجل اشغال الناس عن قضايا أو صفقات ترغب بتمريرها. ولكننا بالرغم من ادراكنا أن هذه الأزمات مفتعلة، إلا أننا غالبا ما نشارك في تأجيجها، ونساهم في تحقيق أهدافها المشبوهة، ولا نتبنى الحلول والخيارات التي تمنع تكرارها! قد يكون الغرض من افتعال الحكومة أو التكتلات السياسية لتلك الأزمات هو ايصال رسالة، إلى اطراف في الحكومة أو تكتل سياسي أو نواب مستقلين، مفادها بأن المرسل قادر على الحاق الضرر بالمرسل إليه. وقد تكون الغاية منها القضاء الفوري على المستقبل السياسي للمستهدفين أو بعضهم. بالرغم من تعدد الأمثلة على الازمات المكررة، التي نشارك في تفاقمها ونرفض المعالجة الجذرية لها، إلا أنني سأكتفي في هذا المقال بالإشارة إلى مثالين منها بسبب تزامنهما في الأسبوع الماضي، وهما: الراتب التقاعدي الاستثنائي لبعض النواب، وعطلة عاشوراء. انتشر قبل أيام، في وسائل التواصل الاجتماعي، قرار موافقة مجلس الوزراء على صرف راتب تقاعدي استثنائي لعدد من أعضاء مجلس الأمة الحالي، واعتبر البعض أن القرار دليل على عقد صفقة بين الحكومة وبين هؤلاء النواب. هذا الخبر، والتعليقات عليه، ذكرتني بحادثة مشابهة مع اعضاء في مجلس 1992 (الفصل التشريعي السابع)، حيث كان من بين المشمولين في الاستثناء المالي نائب من دائرتي الانتخابية. من بين ما لفت انتباهي عند مقارنة الازمتين، هو دور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انها تسببت في انتشار الاستثناء الأخير على مساحة أكبر من ذلك الخاص بمجلس 1992، بل انها ساعدت في توضيح أبعاد القضية، وكشفت أسماء العديد من النواب السابقين الذين منحوا راتبا تقاعديا استثنائيا، وكان من بينهم من أعلن استنكاره صرف راتب استثنائي لنواب حاليين! لست بصدد اثبات أو نفي عقد صفقات بين الحكومة وبين بعض النواب الحاليين، ولكنني استبعد أن تكون لهذه الرواتب الاستثنائية قيمة هذه الصفقات، خاصة بعد فضيحة تضخم حسابات وثروات بعض النواب بملايين الدنانير في مجلس 2009. فهل يعقل أن تنخفض قيمة صفقات شراء الذمم البرلمانية من عشرات الملايين إلى ما دون 3 آلاف دينار شهريا، على مدى فصل تشريعي مستهدف منذ أيامه الاولى من قبل تجمع سياسي سعى - ولا يزال - لحله من خلال نواب وقياديين حاليين وسابقين؟ وهل يعقل أن توثق الصفقات السياسية بين الحكومة والنواب بصورة جماعية في كتاب رسمي من رئيس مجلس الأمة إلى رئيس الحكومة؟ أم هل يعقل أن تعرض صفقة شراء ذمم مجموعة نواب في اجتماع مجلس الوزراء؟ اليوم، بعد اطلاعنا على البعد التاريخي لمكافأة النائب، واستماعنا إلى تصريحي رئيس وأمين عام مجلس الأمة، تبين أن النائب الحالي يحصل على مكافأة شهرية قدرها 2300 دينار بحسب قانون (19) لسنة 1996، وله أن يجمع بين مكافأة العضوية وبين ما قد يستحقه من معاش تقاعدي. وحيث ان مؤسسة التأمينات الاجتماعية تعادل كل سنة عضوية بالمجلس بخمس سنوات عمل، لذلك يستحق الأعضاء القدامى في المجلس الحالي راتبا تقاعديا إلى جانب المكافأة الشهرية. أما الأعضاء الجدد، فيتم مساواتهم بالقدامى من خلال رواتب تقاعدية استثنائية وفق المادة (80) من القانون رقم (61) لسنة 1976 في شأن نظام التأمينات الاجتماعية. وكما جاء في تصريح رئيس المجلس، فإن الرواتب الاستثنائية قائمة منذ ربع القرن، وجميع النواب خلال هذه المدة يعلمون بصرفها، وهناك من رفض الاستفادة منها أو من مميزات أخرى كالسيارة أو سائقها، ولكن لم يلجأ أي منهم إلى استخدام أدواته الدستورية لوقفها. الغريب أن منشأ هذه المشكلة هو تهرب معظم النواب من تعديل مكافأة العضوية، خشية من ردود فعل الناخبين. في العام 2011، تقدم النائب وليد الطبطبائي بمقترح زيادة مكافأة النواب من 2300 الى 5750 دينارا، وقد وافقت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية على مقترحه في العام نفسه، ولكنه لم يقر من قبل المجلس. وفي المجلس الحالي، جدد الطبطبائي مقترحه. لذلك أدعو النواب إلى تبنيه، بعد إلغاء حق النائب في الجمع بين مكافأة العضوية وبين الراتب التقاعدي. وبذلك يعدّل مبلغ المكافأة، وتتحقق المساواة بين النواب القدامى والجدد، ويغلق باب الراتب الاستثنائي على مفتعلي الأزمات السياسية. المشكلة نفسها، ولكن بدرجة أكبر، حاضرة في غياب عاشوراء، حيث اننا عاصرنا في السنوات الماضية العديد من الأزمات الطائفية على خلفية غياب عاشوراء. وفي المقابل، في الأعوام الأخيرة، ومنها هذا العام تمكن المعزون من المشاركة في مراسم عاشوراء في تاريخ 11 محرم - وفق التقويم الرسمي - بيسر ومن دون أزمات مرتبطة بالغياب. لذا أتساءل، ما الذي يمنعنا من أن نشرع قانونا يحاكي منهجية غياب عاشوراء هذا العام في الأعوام القادمة؟ فنحصن مجتمعنا من تجديد افتعال أزمات طائفية على خلفية غياب عاشوراء... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :