أكتب هذا المقال وأنا أقرأ في حركة الشوارع لعدة مدن غربية سياحية شهيرة، تلتقي فيها الشعوب، وتختلط على أرصفتها الثقافات والحضارات، وأرى في هذا المشهد صورة مناقضة تماماً لصورة الإرهاب والتطرف أياً كانت ديانة المتصف به. فمن يعتنقون فكر الغلو والتطرف، ويمارسون سلوكيات الإرهاب الإجرامية ضد الأبرياء، ينطلقون من قناعات وأفكار يرون من خلالها أن الحياة حق لهم فقط، وأن جزاء كل من خالفهم هو الموت والدمار والخراب . فيمارسون أعمال التفجير والقتل وترويع الآمنين، دون أي مراعاة لطفل، ولا لامرأة، ولا لشيخ كبير، ولا رجل دين منقطع لعبادته. قد ترى حكومة إحدى الدول الغربية أو الشرقية مثلاً تتخذ مواقف عدائية ضد قضية أو قضايا من قضايا المسلمين، بينما إذا ذهبت لزيارة تلك الدولة تجد من مواطنيها الكثير من المودة والاحترام والتعاطف، بل وأحياناً يكونون أقرب كثيراً للدخول في الإسلام بمجرد تقديم القدوة الحسنة لهم في التعامل، وهي السبيل الأمثل للدعوة إلى الإسلام وتحبيب الناس فيه بينما هؤلاء البشر العاشقون للسياحة، تراهم يجدون المتعة في السير في بقاع الأرض على اختلاف دولها ودياناتها وثقافاتها وحضاراتها، يطلعون على ما لدى الآخرين من كل ذلك، ويتأملون في عجائب خلق الله في طبيعة الأرض وأطباع البشر، يخالطون أنواعاً من البشر قد يكونون معهم في غاية التناقض في ديانتهم أو ثقافتهم أو قناعاتهم، ولا يمنعهم هذا التناقض أبداً من التعامل معهم بيعاً وشراء، وبكل أنواع التعامل، كما لا يرون ذلك مبرراً أبداً لتقليل احترامهم لهؤلاء البشر، ولا لإهانتهم أو التعرض لهم بالأذى فترى الناس يمشون في شوارع وأسواق مدينة ضخمة مثل باريس أو لندن أو غيرهما، تجمعهم مظلة الاشتراك في الآدمية والبشرية، وحبّ الحياة واحترام القانون، والتزام آداب التعامل مع الآخرين. لا يكاد يبدو عليهم أي مظهر يكدر صفو هذه الصورة المثالية أبدا. ومن خلال ذلك يتضح جلياً مدى التناقض الكبير، والبون الشاسع بين صورة معتنقي فكر الإرهاب، وبين محبي وممارسي هواية السياحة، فهؤلاء يحبون الحياة ويحترمون حق الآخرين فيها، وأولئك يسعون للقتل والخراب . ولهذا فتجد أول ما تبدأ الدول المتحاربة في خطوات السلام الأولى فيما بينها، يكون ذلك غالباً في السماح بدخول السيّاح بين البلدين إذاً فالسياحة بوابة سلام، والطريق الأفضل والأقصر لنشر السلام بين الشعوب يكون في تشجيع السياحة بينها. فإذا اقتربت الشعوب واختلط أفرادها، صاروا أقرب لتفهم ظروف بعضهم، ورؤية الجوانب الأخرى الإيجابية لكل شعب، ونما في نفوسهم الجانب الإنساني البشري الذي يذكّرهم بالجوانب المشتركة بينهم في حب الحياة، والكثير من التوافق على المبادئ والأخلاق التي تمليها الفطرة البشرية السوية التي فطر الله الناس عليها. إن من حزم حقائبه وذهب لأحد هذه البلدان البعيدة قد يرى مثلاً مظاهرة ً في أحد شوارعهم ترفض قتل الفلسطينيين، وتندد بالإجرام الإسرائيلي ضدهم. وفي موقف آخر قد يرى رجلاً يختلف معه في الديانة يسدي إليه معروفاً ويبش في وجهه ويرحب به في بلده ويعرض عليه مساعدته. ويرى براءة الأطفال في الشوارع وابتسامات البشر في الوجوه . وفي كل هذه المشاهد الإنسانية الرفيعة ما يبغّضه في العنف والإفساد في الأرض وترويع الآمنين، ويؤكد له أن هؤلاء الخلق الذين يراهم وإن اختلف معهم في الديانة، إلا أنهم كلهم عيال الله، وأن الله سبحانه لم يخلقهم ويرزقهم لنقتلهم ونروعهم نحن بدعوى الجهاد أو بأي ذريعة أخرى. ولهذا فإني أدعو إلى إعادة النظر في بعض الفتاوى التي تُحرّم السفر إلى بلاد غير المسلمين لغرض السياحة، لأن هذه الفتوى إنما تستند على نصوص واجتهادات فقهية خاصة ببلاد غير المسلمين قديماً حين كانت البلدان تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما (دار كفر) و(دار إسلام) أما اليوم فإن كثيراً من الدول غير الإسلامية تعج بالمساجد والمسلمين، ولم يعد هناك أي مبرر لتحريم السفر إليها، وتشجيع الفصل بين البشر فصلاً يقوم على تبشيع صورة بعضهم في عيون بعض، وتبغيض بعضهم لبعض، فكم من الخير والمنافع تأتينا اليوم من هذه الدول التي يُحرّم بعض طلبة العلم لدينا السفر إليها . وتأكيداً لذلك فإنك قد ترى حكومة إحدى الدول الغربية أو الشرقية مثلاً تتخذ مواقف عدائية ضد قضية أو قضايا من قضايا المسلمين، بينما إذا ذهبت لزيارة تلك الدولة تجد من مواطنيها الكثير من المودة والاحترام والتعاطف، بل وأحياناً يكونون أقرب كثيراً للدخول في الإسلام بمجرد تقديم القدوة الحسنة لهم في التعامل، وهي السبيل الأمثل للدعوة إلى الإسلام وتحبيب الناس فيه. وفي اقتراح آخر ذي صلة أدعو إلى إدراج السياحة والاستفادة منها في كل الجهود العالمية التي تسعى لمحاربة الإرهاب، وتشجيع السياحة بين الشعوب لهذا الغرض بالدرجة الأولى. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه.
مشاركة :